المصدر: | دراسات إسلامية |
---|---|
الناشر: | مركز البصيرة للبحوث والاستشارات والخدمات التعلمية |
المؤلف الرئيسي: | بلحوت، نورالدين (مؤلف) |
المجلد/العدد: | ع 11 |
محكمة: | نعم |
الدولة: |
الجزائر |
التاريخ الميلادي: |
2010
|
الشهر: | ديسمبر |
الصفحات: | 67 - 117 |
ISSN: |
1112-8011 |
رقم MD: | 206203 |
نوع المحتوى: | بحوث ومقالات |
قواعد المعلومات: | IslamicInfo |
مواضيع: | |
رابط المحتوى: |
المستخلص: |
من خلال دراسة كتب المحاسبي - رحمه الله- ، تتبين لنا شيئا فشيئا مميزات ذلك المنهج الذي سار عليه والذي عرف به، وفيما يلي ما استطعت- بجهد المقل - استخلاصه من بين هذه العناصر وما تميزت به: 1. التقيد والاستشهاد بالقرآن والسنة، والمحاسبي - رحمه الله- كثير الاستشهاد بهما في كل مسألة، وفي كل خطوة أو حيثية من مسألة. 2. التحليل العميق الدلالات والغوص في المعاني وعدم التوقف عند ظاهرة الآيات وسردها باسترسال، بل التقلل من ذلك ومحاولة النفاذ إلى أعمق معنى فيها. 3. الواقعية والقرب من النفوس فقد أدرك المحاسبي أن الناس يريدون الأمور محدودة مرسومة، فيسألون مثلا عن الخطوة الأولى في السير إلى الله، أو في التوبة أو ترك معصية معينة . فاعتمد الطريقة الحوارية الحية ، التي تتميز كما أسلفنا بأنها واقعية تطبيقية بعيدة عن التجرد والتنظير والترف الفكري. 4. سوق ما ورد من الأخبار في الخوف والرجاء وهي في أغلبها تعالج الجانب العاطفي الوجداني في الإنسان . ومذهبه جمع الاثنين معا "الترغيب" " والترهيب"(57)، وليس الترهيب فقط كما شاع عنه ، وإن كان الترهيب يغلب أحيانا كثيرة ، لكثرة حديثه وتحذيره من أمراض القلوب وعواقبها. 5. وصف دقيق ولغة مصقولة وصياغة فائقة الحبك تقع من القلب بمكان، ولا يخفى على أحد دور اللغة، ونذكر بحادثة الرجل الذي أسهب وأجاد وصف لقائه للأسد في الصحراء حتى نهاه النبي صلى الله عليه وسلم من الاسترسال لما رأى من روع الصحابة من روعة الوصف التي كادت تقطع قلوبهم لها. 6. استدعاء حاسة التخيل والتصور عند السامع أو القارئ ، فيما يشبه تحضيرا نفسيا له بقطع قلبه وعقله عن العلائق والشواغل بما يعطي وقعا أعظم في النفس ، والاستدعاء هذه إنما يكون تصريحا بعبارة : "توهم أنك..." ، والتصريح ها هنا كأدوات التنبيه في اللغة. الإطناب، وهو التكرار غير الممل، حيث يكرر المحاسبي - رحمه الله- العبارة نفسها- "توهم أنك"...- في بداية كل فقرة أو فصل ، والتكرار أثره الترسيخ كما هو معلوم وتجديد التنبيه ، فما يكاد الذهن يشرد أو يطفو الا وعاد إلى التأمل والتخيل حتى يستغرق في ذلك الوصول إلى حالة كأنه يعيش فيها المشهد الموصوف . 7. أما إطراق الرأس أمام الواعظ لغير المراءاة وتكلف الخشوع ففائدته تأتي من أثره المساعد على التأمل ، وقد رأينا كثيرين وصفوا الصحابة أمام النبي صلى الله عليه وسلم بقولهم "كأن على رؤوسهم الطير وهذه العبارة وصف ابن السراج أصحاب المحاسبي ، وذلك أن الإطراق يقتضي تركيز البصر على بقعة أمامنا وهي عادة معروفة لدينا ، لا نفكر فيها بقدر ما نفكر في شيء آخر، والفائدة منها قطع الشواغل والعلائق البصرية ، لذلك كرهت زخرفة المساجد ، وكان من فقه الصلاة النظر إلى موضع السجود بما يساعد على الخشوع .(58) 8. ومثله تخير أوقات الهدوء والسكينة، كالليل بعد العشاء الآخرة، فهو وقت يسكن فيه الناس وتقل الجلبة والأصوات وكذلك المطالب والشواغل والملهيات (59) ، وهذا الاختيار الموفق يذكرني بما يسمى في صناعة الأفلام الحديثة ب"المؤثرات السمعية والبصرية " المدروسة بدقة ، والتي يرمى من ورائها إلى الاستئثار بأكبر قدر من حسن المشاهد ووجدانه حتى يستغرق في الفلم فكأنه يعيش فيه وربما ذهل عما وعمن حوله. 9. كان هذه شأن المستمع أما الأثر في القارئ فيبقى على قدر من القوة، وإن اختلف في القراء حسب استعدادهم وتحققهم بالعناصر المذكورة أثناء قراءتهم. 10. يعتمد المحاسبي - رحمه الله- في تقوية أثر كلامه أو مكتوبه على التسلسل البديع والتناسق الفائق الحبك بينهما وإن كان يخيل لك وأنت تنظر إلى فصول الكتاب أن نصوصه وصفية إنشائية، ولكنك حين تتأملها لا تجد فيها كلاما غير ذي فائدة كما أسلفنا. فالمحاسبي إذا شئنا القول عملي جدا، فقد احتفظت بتلخيص قسم من كتاب الرعاية كنت قد أنجزته منذ سنوات فشدني ذلك المرور السلس من فكرة إلى فكرة أخرى، ومثال بسيط عنه ترابط الأبواب من الكتاب في المخطط التالي: التوبة: لا تحصل دفعة واحدة بل هي ثمرة عمل جاد وهي آخر حلقة في الطريق التالي: الفكر في العاقبة (قضية المصير) التخويف الخوف والرجاء حل الإصرار التوبة ومثله فعل في مواضيع كثيرة، ولا شك أن هذا الترابط والتناسق على دقته وتكرره ليس وليد صدفة، ولاشك أن المحاسبي - رحمه الله- قصد به تعميق أثر ما يقول وما يكتب. ولا شك أن هذه العناصر التي اصطلحنا عليها "عناصر المنهج"- مجتمعة، توصلنا إلى أن نفهم لماذا بكى أحمد بن حنبل (60) _ رحمه الله وهو صاحب الزهد- لسماع كلام المحاسبي - رحمه الله- حتى أغشى عليه - أو كاد- ، ولماذا كان بين يدي المحاسبي - رحمه الله- من المستمعين من يناله من تلك الوجدانية حتى تهتز لهل أوصاله. يختص المحاسبي بين أقران عصره وبين العلماء جميعا أنه يكشف عن حاجات النفوس من واقع مطالبها ، فلا يفرض على المجتمع فكره هو وحاجاته، وقد تمثل ذلك في طريقة تأليف كتبه بعد الإجابة عن أسئلة تلاميذه، بل كان يجتمع بهم ولا يحدث إلا إجابة ، لذلك فقد وفى بحاجات عصره وليس كمثل فكر عصرنا المفروض من كتاب لم يتحروا فيه أن يجعلوه صورة واقعية لحيرة الناس . فالكتب اليوم تملأ الدنيا والناس حيارى تائهون . |
---|---|
ISSN: |
1112-8011 |