المستخلص: |
مَن يقرأ ديوان "أوراق الغرفة (8)" للشاعر العربي أمل دنقل (1940-1983م)، وهي الغرفة ذاتها التي أقام فيها أمل دنقل أكثر من عام ونصف في معهد الأورام، سيلمس ذلك الوعّي الشقي والحاد لدى مبدعنا مرهف الإحساس، والذي يدرك بحدسه أن أيامه في الدنيا باتت معدودة، وسيلاحظ هيمنة وطغيان ثيمة الموت، إذ تتكرر مفردة الموت ومشتقاتها كالرصاص، الدم، السكين، التراب.. في القصيدة الواحدة أكثر من مرة، وهذا يعزى إلى الظروف النفسية للشاعر، وهو ينتظر الموت كخلاص من عذابات السرطان الذي نخر جسده النحيل. أمّا كشاعر.. فقد انتصر على المرض الخبيث، وترك للأجيال هذا الديوان الخالد في القلوب، وسيجد القارئ نفسه منبهرا بصوره الشعرية النابضة: ((هل أنا كنت طفلا../ أم أن الذي كان طفلا سواي))، وهو الجنوبي الذي يخشى قنينة الخمر والآلة الحاسبة، ويشتهي أن يلاقي ((الحقيقة والأوجه الغائبة))، ولعل ((الجنوبي)) عكس بقية قصائد الغرفة 8 موغلة في الأسى الشفيف ولانكسار النهائي، كأنما الشاعر يرفع الراية البيضاء، وينتظر مصيره المحتوم في استسلام موجع. وعلى الرغم مما قيل عن أمل دنقل، ونعته بالشاعر الصعلوك، فقد بقي وفيا لقضية شعبه، للبسطاء الذين كان واحدا منهم، عميق الارتباط بوعي القارئ ووجدانه، كما تشي بذلك قصائده اللاذعة، عفوية التعبير، من دون التواري خلف بهرجة اللفظ، وتزييف الحقائق، كما يفعل الكتبة والمتشاعرون.
|