| المستخلص: |
الحمد لله المتصرف في الملك والملكوت, الباقي الذي لا يفنى ولا يموت، صاحب القوة والجبروت، مكور الليل على النهار، تذكرة لأولي القلوب والأبصار، وتبصرة لذوي الألباب والاعتبار، جعل القرآن شفاءً لما في الصدور, وهدىً ورحمة للمؤمنين، أحمده أبلغ حمد وأزكاه، وأشهد أن لا اله إلا الله، وحده لا شريك له, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله, الذي محا الله به الظلام, وأحيا به الأنام, وأخرج به الناس من الظلمات إلى النور, صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله الطيبين الأطهار, وأصجابه الهادين الأبرار, والتابعين وتابعيهم باحسان ما تعاقب الليل والنهار . أما بعد ...... فإن الفقه الإسلامي يزخر بالأحكام الشرعية ، كلية وجزئية , ويفيض بالحلول للمسائل الواقعة والمتوقعة, مما يعود على المكلفين بالنفع , إذ أن أحكام الشارع, إنما وضعت لمصالح العباد ، بجلب المنافع ودرء المفاسد , ولا شك, فإن كل واقعة تقع إنما تَهُمُ المكلفين أفراداً وجماعات, تحتاج الى حكم للشارع يفهمونه ويمتثلونه , وإلا لََزم من عكس ذلك إتباعٌ للهوى, وهو منفي شرعاً, لأنه ينأى بصاحبه عن جادة الحق وسبيل الهدى والرشاد . وإن مما تمس الحاجة اليه , ما يتعلق بالجنايات من الأحكام, التي تُجلّي مدى احترام الإسلام للحقوق , وهو من صميم العدل, الذي هو أساس الحكم أنّى وُجد , فكانت المماثلة في العقاب الواقع على الجاني, طريقاً لذلك الأصل , ووسيلة مُفضية اليه , فأضحى من العدل, تقدير حجم الجناية الواقعة على المجني عليه, ليُصار الى إيقاع مثلها, جنسا وقدراً ما أمكن , نفياً للتحكم بحق المكلف لا يَظلِم ولا يُظلَم . وتأتي هذه الدراسة للكشف عن أنوع المقادير الشرعية وأسمائها ، واثرها في أحكام الجنايات، وبيان ما يعادلها من المقادير المعاصرة ، التي يتداولها الناس فيما بينهم ، ليسهل على المسلمين معرفتُها والعملُ بها . وتبرز أهمية هذا البحث, بسبب التغيرات التي طرأت على المسميات القديمة, للمقادير الشرعية؛ فأضحى بعضها غريبا؛ لا يعرفه الا القليل من المتخصصين في هذا المجال ، وهذا هو السبب المهم في اختيار هذا الموضوع , وسبر غوره والوقوف على حقيقته , وربط الجديد بالقديم. فلما حظيت خطة البحث بالقبول , استعنت بالله تعالى , وشرعت بعدها بالتفتيش, ولملمة المادة العلمية اللازمة , والتبويب والترتيب , واللهُ يَعلم أنني لم أدخر وسعاً, في سبيل الوقوف على الحقائق , وتمييز الدقائق , ولطالما كابدت الليل والسراج , طمعاً في سَلْكِ أصعبِ الفِجاج , وحصول الإنفراج , والبعد عن اللَجاج . لقد رافقتني طيلة أيام البحث حلاوة مذاق , وراحة ضمير , حفزتني للإستمرار , ومواكبة المستجدات , رغم زخم الأفكار , وصعوبة الربط بين المسمى القديم والجديد لكل مقدار , وكدأب البحوث العلمية , فإن ثمة صعوبات واجهتني , وكادت تحول بيني وبين ما أصبو إليه , لولا أن مَنَّ الله علَيَّ بأهل العلم والفضل, في جامعة آل البيت , وأخص بالذكر فضيلة الأستاذ الدكتور محمد راكان الدغمي , المشرف على هذه الرسالة , الذي فتح لِي قلبه ومكتبه , فلم يتبرم بي البته, ولم ينأ عني جانباً ولو لحظة , فأفدت من علمه, وثاقب بصيرته , وسديد رأيه, فجزاه الله خير الجزاء . وقد قمت بتقسيم هذا البحث الى مقدمة وتمهيد وفصلين وخاتمة .
|
