ارسل ملاحظاتك

ارسل ملاحظاتك لنا







مسئولية الدولة عن الجرائم مجهولة الفاعل: دراسة مقارنة بين الشريعة الإسلامية والقانون الوضعي

العنوان بلغة أخرى: Responsibility of the State Towards Crimes with Unknown Perpetrators: A Comparative Study between Islamic Shari'ah and Positive Law
المصدر: مجلة البحوث الفقهية والقانونية
الناشر: جامعة الأزهر - كلية الشريعة والقانون بدمنهور
المؤلف الرئيسي: عون، كمال محمد السعيد عبدالقوي (مؤلف)
المجلد/العدد: ع34, ج2
محكمة: نعم
الدولة: مصر
التاريخ الميلادي: 2019
التاريخ الهجري: 1441
الصفحات: 501 - 671
DOI: 10.21608/JLR.2019.80501
ISSN: 1110-3779
رقم MD: 1049587
نوع المحتوى: بحوث ومقالات
اللغة: العربية
قواعد المعلومات: IslamicInfo
مواضيع:
كلمات المؤلف المفتاحية:
Crime | Unidentified Perpetrator | State’s Commitment | Compensate | Damages
رابط المحتوى:
صورة الغلاف QR قانون
حفظ في:
المستخلص: كل مجتمع مسود بعدد من النظم مهمتها تنظيم سلوك الأفراد في كافة مجالات الحياة وبدونها لا يمكن أن تستقيم الحياة أو تستمر. وبهذه القواعد تتحدد مسئولية الأفراد وحقوقهم تجاه بعضهم البعض وتجاه المجتمع الذي يعيش فيه، وكذلك مسئولية وواجبات المجتمع تجاه الفرد. وكثيرا ما نقرأ في بعض التقارير الصادرة من جهات أمنية، دولية كانت أو محلية ما يفيد بوجود جرائم عجز الأمن عن اكتشاف مرتكبيها ويعبر عنها "بالجرائم مجهولة الفاعل" مما يتنافى مع التقدم العلمي في عصرنا الحديث كما أنه لا يعقل أن يهدر حق الفرد في هذا العصر. ففي المجتمعات الحديثة توجد مواثيق تبين حقوق الأفراد ومسئولية الدولة في ضمانها وحمايتها بإيجابية، وهي عبارة عن تعاقد بين الدولة ومواطنيها، والمقيمين على أراضيها تقرر حقوق وواجبات الأفراد والتزام الدولة بحماية هذه الحقوق وتنفيذ الواجبات. فمسئولية الدولة بكفالة حقوق الأفراد وضمانها ليست مسئولية سلبية تكتفي بمجرد النص عليها والنهي عن المساس بها، لكنها مسئولية إيجابية تمتد إلى تهيئة الوسائل اللازمة لكفالة ممارسة وحماية هذه الحقوق والعقاب على الاعتداء عليها. لكن في بعض الأحيان تقع اعتداءات على بعض هذه الحقوق يتولد عنها جرائم تخل بالأمن والأمان وتحرم الأفراد من بعض حقوقهم، وبعض هذه الجرائم قد لا يمكن الوصول إلى شخص فاعلها لمعاقبته، وتعويض المجني عليه أو ورثته. فإذا كان هذا الأمر مقبولا في العصور السابقة إلا أنه مع التقدم العلمي في هذا العصر أصبح أمرا غير مقبولا. ولما كان هذا الأمر يعد تحديا لإرادة وقدرة الدولة في إقرار الأمن ومنع وقوع الجريمة وقدرتها في معرفة الجاني وتقديمه لمحاكمة عادلة حفاظا على حقوق المجتمع والمجني عليه وورثته من بعده. والجريمة مجهولة الفاعل ليست بمصطلح حديث فهو قديم ظهر مع انتشار الجرائم في المجتمعات الإنسانية؛ لأن طبيعة الجاني غالبا التخفي من عقاب الدنيا. وقد عالجت الشريعة الإسلامية هذا النوع من الجرائم في باب القسامة وأحكامها فألزمت الدولة الضمان في حالة عدم معرفة الجاني أو وجود القتيل في وضع عام مع جهالة الجاني. وذلك تطبيقا لقوله صلى الله عليه وسلم: (أنا وارث من لا وارث له أعقل عنه وأرثه)، وإعمالا للمبدأ الذي أرسى قواعده الإمام علي رضي الله عنه: "لا يبطل دم في الإسلام". وعرف القانون هذا النوع من الجرائم بأنها: الواقعة التي تشكل من الناحية القانونية جريمة يعاقب عليها القانون ولم يتوصل إلى تحديد هوية فاعلها وإقامة الدليل على مرتكبيها بعد التحقيق القانوني لكي يقام عليه الجزاء المقرر لحماية المجتمع وجبر ضرر المجني عليه أو ورثته.

وتتعدد أشكال الجريمة مجهولة الفاعل منها على سبيل المثال: "جرائم الظل وهي التي لم تصل إلى علم الجهات المختصة – والجرائم التي تصل إلى علم الجهات المختصة ولم يتوصل إلى الفاعل – والجرائم التي تفشل الجهات الأمنية في القبض على مرتكبيها.....". كما تتعدد مخاطرها: وتتمثل هذه المخاطر في: "زعزعة الثقة في كفاءة الأجهزة الأمنية– قلة الإحساس بالأمن والاستقرار – خلق نوع من الفوضى وعدم الاستقرار– ضعف الدولة وكسر هيبتها – هروب رأس المال والقوة البشرية.....". مسئولية الدولة عن حماية مواطنيها والمقيمين على أراضيها: فالحياة هبة الخالق للمخلوق، واعتبر الإسلام الجماعة مسئولة عن حماية هذا الحق، وأمر بالمحافظة عليها ونهى عما يعرضها للخطر، ولم تقف الشريعة الإسلامية عند مجرد النهي أو إعلان حق الحياة وأمنها وسلامتها، لكنها فرضت من الحماية ما يكفل هذا الحق. فالمتتبع لأحكام الشريعة حول كفالة حق الأمن والحياة يجد من الإحاطة والشمول ما يتناسب مع أهمية هذا الحق. فإذا حاول البعض إهدار ما كفله الشرع الإسلامي للفرد والجماعة من أمن وطمأنينة وكرامة وحقوق فإن الدولة بلا ريب هي المسئولة الأولى عن حماية هذه الحقوق وهي الضامنة في حالة جهالة المعتدي أو تعثر تقديمه للعدالة. وتعد الوقاية من الجريمة في العصر الحديث هدف قومي ويتعين على أجهزة الدولة العصرية أن تتطور وتتقدم بالقدر الذي يسمح لها بالمواجهة والحد من الجريمة فهي قضية تعني كل من الفرد والمجتمع ومؤسسات الدولة وأصبح من الضروري أن يقف المجتمع كله في مواجهتها، وإذا خالفت الدولة هذا الالتزام تكون بذلك مسئولة في مواجهة الفرد عن الأضرار التي أصابته من جراء ذلك. فمن أهم واجبات الدولة الحديثة هو كفالة وضمان حماية مواطنيها والمقيمين على أراضيها بدفع التعدي عليهم واتخاذ كافة الوسائل والتدابير التي تحول دون وقوع الجريمة. وفي حالة وقوع اعتداء تلتزم الدولة وفق الفقه الإسلامي والقانون الدولي والمحلي بتقديم المعتدي إلى المحاكمة العادلة وتوقيع الجزاء عليه وجبر ضرر المجني عليه أو ورثته. فالأصل أن الدولة وأجهزتها الأمنية ساهرة ترعى الأمن والنظام وتطبق القانون، وتقصير الدولة بالقيام بواجبها في قمع المخالفات وضبط المخالفين أو عجزها عن ذلك لا يعفيها بأي حال من القيام بمسئولياتها تجاه الأفراد المقيمين على أراضيها من حفظ حقوقهم وتعويضهم عما يصيبهم من أضرار بسبب تقصيرها.

التزام الدولة بتعويض المضرور من الجريمة: فكرة التزام الدولة بتعويض المجني عليه لم تكن وليدة العصر الحديث بل لها وجود في بعض القوانين القديمة مثل قانون حمورابي. وكان للشريعة الإسلامية السبق في تنظيم وتطبيق قواعد إلزام الدولة بتعويض المضرور من الجريمة في حالة عدم معرفة الجاني أو إعساره أو تعذر تقديمه للمحاكمة. ثم تبعها القوانين الحديثة على المستويين الدولي والمحلي. إلا أن هناك قصورا تشريعيا في ذلك من جانب الدول العربية. وأقامت الشريعة الإسلامية مسئولية الدولة عن تعويض المجني عليه أو ورثته على أساسين مختلطين (أحدهما تشريعي والآخر اجتماعي). أما الفقه القانوني قد تنازعه نظريتان أساسيتان في تحديد أساس مسئولية الدولة عن تعويض ضحيا الجريمة مجهولة الفاعل هما الأساس القانوني، والأساس الاجتماعي وقد انتاب كل منهما عيوب وبني عليه نتائج ناقصة. وانتهيت في هذه المداخلة إلى وجوب الأخذ بالأساسين مختلطين معا (القانوني، والاجتماعي) في التزام الدولة بتعويض المضرور تلافيا لقصور الأخذ بأحدهما دون الأخر هديا بالشريعة الإسلامية. فالأصل أن الجاني هو المسئول عن جبر الضرر الذي لحق بالضحية أما إذا كان الجاني مجهولا أو لم تتمكن الدولة من تقديمه للمحاكمة وتعذر على الضحية الحصول على تعويض من أي جهة أخرى فهنا يظهر دور الدولة في التزامها بالتعويض. نطاق وشروط التزام الدولة بتعويض المضرور من الجريمة: فلما كان التزام الدولة بالتعويض هو التزام استثنائي احتياطي فوفقا للفقه الشرعي والقانون الوضعي أنه لا يجوز التوسع في الاستثناء وخاصة في الحالات التي يكون الأمر فيها متعلق بخزينة الدولة. فهذا الاستثناء يلزم تحديد نطاق وشروط التزام الدولة بتعويض المضرور من الجريمة تحديدا واضحا. من حيث الجرائم. ذهب أغلب الفقه وهو ما أرجحه إلى القول بوجوب أن يقتصر التزام الدولة بتعويض الضحية في حالة عدم معرفة الفاعل على جرائم الأشخاص دون جرائم الأموال لإمكانية تغطيتها التأمينية. ومن حيث مستحقي التعويض. فلم يقتصر الحق في مطالبة الدولة بتعويض الضرر على المجني عليه فقط بل امتد إلى ورثته.

ويلزم للمطالبة بالتعويض توافر شروط موضوعية وأخرى إجرائية: الموضوعية هي "وقوع جريمة معاقب عليها قانونا (الخطأ) – وتحقق الضرر – وتوافر علاقة السببية بينهما – وجهالة الفاعل". والإجرائية منها ما هو سابق على الفصل في طلب التعويض هي إبلاغ الجهات الأمنية، وأن يتم الإبلاغ خلال مدة محددة قانونا، تقديم طلب التعويض إلى الجهة المختصة، وقيام المضرور بواجباته والتزاماته قبل الدولة. ومنها ما هو لازم لنظر طلب التعويض. أن يتقدم طالب التعويض بالطلب إلى الجهات المختصة خلال المدة المحددة قانونا مستوفيا بياناته – ويصدر القرار في طلب التعويض إما بالقبول أو بالرفض ويجوز الطعن فيه طبقا لطبيعته وفق ما هو مقرر في قانون الدولة إما عن طريق الطعن في الأحكام أو عن طريق التظلم إن كان صادرا من جهة إدارية. فقد تبين أن موضوع تعويض الدولة لضحايا الجرائم مجهولة الفاعل موضوع تختلف حوله الاتجاهات الفقهية وتتقاطع فيه جملة من التشريعات المقارنة. وقد انتهيت في هذه المداخلة إلى عدة توصيات نجمل أهمها فيما يلي: - ١ - ضرورة تعديل التشريعات المتعلقة بالتعويض لمواكبة التطور السريع لمتغيرات الحياة وفق الشريعة الإسلامية والقانون المقارن. ٢ - على الدولة أن تبني نظامًا تحدد فيه مسئولياتها في تعويض ضحايا الجرائم مجهولة الفاعل يشمل المواطنين والمقيمين الشرعيين على إقليمها وبيان شروطه وضوابطه. ٣ - تسهيل إجراءات الحصول على تعويض في الجرائم مجهولة الفاعل من خلال القضاء علي والروتين والبيروقراطية التي تعاني منها معظم الدول العربية. ٤ - يلزم أن تكون قواعد مسئولية الدولة عن تعويض ضحايا الجرائم مجهولة الفاعل قواعد عامة مجردة لا ترتبط بمستوى دخل الضحية أو حاجاتها، وأن يكون معيار التعويض هو وقوع الجريمة وتحقق الضرر وعلاقة السببية بينهما فقط. ٥ - أن يخصص قانون مسئولية الدولة في التعويض جرائم معينة مثل جرائم الأشخاص؛ لأنها خارجة عن التغطية التأمينية وأكثر ضررا علي المجتمع. ٦ - أن تكون الجهة المختصة بالفصل في طلبات التعويض عن الجرائم مجهولة الفاعل جهة ذات طبيعة قضائية لما يتطلبه من بحث جوانب قانونية، وأن تكون الأحكام الصادرة فيه قابلة للطعن وفق نظام قانون المرافعات. والله المستعان والحمد لله رب العالمين

In modern societies, there are constitutions that indicate the rights of the individual and the responsibility of the state to safeguard these rights positively. The constitution is like a contract between the state and its citizens and the people living on its land that indicates the duties and rights of the individual and the state’s commitment to protect those rights, to monitor the implementation of those duties, and to punish those who do not abide by that contract. Sometimes, crimes are committed and their perpetrators cannot be identified. The Islamic Shari‛ah treats this type of crime under the title of the Qissāmah (swearing oaths in a trial of a murder crime) and sets its rulings. The Islamic Shari‛ah obliges the state to guarantee the rights of the victim if the criminal is not known. This is in accordance with the saying of the Prophet (p.b.u.h.), “I am the inheritor of one who has no inheritor; I pay compensation instead of him and inherit him.” It is also in accordance with the principle laid by Imam Ali, may Allah be pleased with him, “In Islam, no one may be murdered and left uncompensated with blood money.” Therefore, the state is responsible for protecting the lives of its citizens and those of the people living on its land. Protection from crime in our modern age is a national objective for which the state’s departments must be developed and equipped with the necessary technology. However, the state’s commitment to recompense the victims of crime is not a new concept. It dates back to some ancient legislation such as the law of Hammurabi. The Islamic Shari‛ah has had the initiative to organize and apply regulations that bind the state to pay compensation to the victim when the crime perpetrator is unknown, insolvent, or if it is impossible to bring him/her to trial. Modern legislation at the national and international levels followed suit, but the legislation in the Arab countries is still lagging behind in this respect. Here are some of the recommendations of the present study: 1. amending the legislation regarding compensation payments, 2. making laws that specify the state’s responsibility towards the victims of crimes with unidentified perpetrators, and stipulating the damages and their terms, 3. facilitating the payment of the due damages.

ISSN: 1110-3779