المستخلص: |
لم يحدث في تاريخ العالم أن قامت حضارة على أساس ديني، ثم سمحت لأتباع الديانات الأخرى بالإسهام في بنائها الحضاري مثلما حدث في تاريخ الحضارة العربية الإسلامية؛ إذ أسهم المسيحيون واليهود والمجوس والبوذيون جراء تسامح المسلمين معهم وترجمة علومهم وفنونهم في شتى جوائب هذه الحضارة العالمية. وتاريخ الحضارة العربية الإسلامية بدأ -كما هو معروف- بالبعثة النبوية، ثم بناء الدولة الإسلامية في شبه الجزيرة العربية، وتطور هذا البناء الحضاري بشكل ملحوظ بانتقال مركز الدولة خارج شبه الجزيرة العربية، حتى امتزجت تلك العناصر التي جاء بها الإسلام، عقيدة وشريعة بالموروث الثقافي للشعوب التي اعتقت الدين الإسلامي، واتخذت العربية لسانا لها. فظهرت العلوم الإسلامية والعربية الخالصة، مصحوبة لعلوم طبيعية تطبيقية والتي قامت على قاعدة من إنجازات الحضارات القديمة والتي عمل الإسلام على تهذيبها والرقي بها. ومع مرور الوقت كان إنجاز الحضارة العربية الإسلامية في كل مجال يتصاعد ويكبر، بحيث شكل كما من التراكم المعرفي، وكان الفضل في ذلك كله للحضارة العربية الإسلامية. ولأن الناس يحتاجون إلى العلم لتسيير شئون حياتهم اليومية الخاصة والعامة، فإن العالم الإسلامي شهد ثمار هذا التقدم في كافة نواحي الحياة، وخاصة الجانب الاقتصادي كالزراعة، والصناعة، والتجارة، والملاحة، وبناء المدن وتخطيطها، وفي العمارة، وفي الفنون، وتجلى هذا التقدم واضحا في الحرف والصناعات ... الخ. وكان طبيعيا أن تمتد هذه التأثيرات إلى الحضارة الأخرى وخاصة المجاورة منها، أي الحضارة الأوروبية التي كانت في حاجة لأن تنفض عن نفسها غبار التخلف في الفترة التي اصطلح المؤرخون على تسميتها العصور الوسطى (المظلمة)، وكانت الأندلس عندما فتحها المسلمون ٢ه/8م لا تختلف عن بقية بلاد غرب أوروبا من حيث انتشار الجهل والتأخر والفوضى، وبعد فتح المسلمين لها نقلوها إلى مرحلة استقرار وإنشاء، فاتجهوا نحو إحياء الأرض الميتة، وتعمير المدن الخربة، وتنشيط التجارة الراكدة، وإنعاش الصناعة المتأخرة، حتى أصبحت الأندلس في ظل الخلافة الأموية من أغنى البلاد الأوروبية، وأكثرها ازدحاما بالسكان. ثم اختار المسلمون أن يواصلوا سلطانهم في الأندلس، عن طريق العلم، فانصرفوا نحو العناية بالآداب والعلوم والفنون، وعندئذ لم يقتنعوا بما وصل إليه إخوانهم في المشرق من تقدم، بل زادوا على ذلك، وابتكروا، وجددوا، مما أتاح لأوروبا موردا عذبا استساغت شرابه، فظلت تنهل منه منذ أواخر القرن الحادي عشر حتى النهضة الإيطالية في القرن الخامس عشر. ولم يلبث أن اشتد إعجاب الأسبان بثقافة العرب وحضارتهم، كما يتضح مما ذكره الفارو الكتاب المسيحي المتعصب في القرن التاسع الميلادي؛ إذ كتب يقول: إن إخواني من المسيحيين يدرسون كتب فقهاء المسلمين وفلاسفتهم لا لتنفيذها، بل لتعلم أسلوب عريي بليغ، وا أسفاه، إني لا أجد اليوم علمانيا يقرأ الكتب الدينية أو الإنجيل، بل إن الشباب المسيحي الذين يمتازون بمواهبهم الفائقة أصبحوا لا يعرفون علما ولا أديار ولا لغة إلا العربية، ذلك أنهم يقبلون على كتب العرب بنهم وشغف، ويجمعون منها مكتبات ضخمة، تكلفهم الأموال الطائلة، في لوقت الذي يحتقرون الكب المسيحية، وينبذونها". وقد بلغت الحضارة الإسلامية ذروتها في الأندلس في النصف الثاني من القرن العاشر الميلادي، عندما أصبحت قرطبة عاصمة خلفاء بني أمية في الأندلس من أعظم مدن العالم، بها ما يزيد على مائتي ألف منزل، يسكنها أكثر من مليون نسمة. وهكذا استمر شعاع الحضارة العربية الإسلامية مضيئا في الأندلس، وأنتقل هذا التأثير إلى أوروبا وخاصة الأجزاء الغربية منها في شتى ميادين العلم، وحسبنا في هذه الدراسة التركيز على التأثير الأندلسي في الحرف والصناعات الأوروبية. وسنتناول هذه الدراسة الصناعات الفنية التي انتقلت إلى أوروبا، وأثر الزخارف العربية في أوروبا، ثم تنتقل إلى الحديث عن الخط العربي، ثم الزخارف الزجاجية، ثم الصناعات المعدنية والنول والنسيج والسجاد، وفن التجليد وصناعة الورق، ثم نختتم بالنقود الإسلامية والعربية في أوروبا.
In the history of the world, no civilization has been founded on a religious basis, and it has allowed other religions to contribute to its civilizational structure as what happened in the history of Arab-Islamic civilization. Christians, Jews, Magi, and Buddhists contributed to the tolerance of Muslims and the translation of their sciences and arts into various aspects of this world civilization. The history of the Arab-Islamic civilization began, as well known, with the' Prophet's mission, and then the building of the Islamic state in the Arabian Peninsula. The development of this civilization was marked by the transfer of the status of the state outside the Arabian Peninsula. To the people who converted to the Islamic religion, and chose Arabic to be their language. The Islamic and pure Arabic sciences emerged, accompanied by applied natural sciences, which Islam worked on refining and improving. With the passage of time, the achievement of the Arab-Islamic civilization in every field was growing and growing, forming a cognitive accumulation. All of which was due to the Arab-Islamic civilization. And because people need science to conduct their daily affairs, private and public, the Islamic world has witnessed the fruits of this progress in all aspects of life, especially the economic aspect such as agriculture, industry, trade, navigation, city building and planning, And in the arts, and this progress is evident in crafts and industries etc It was natural for these influences to extend to other cultures, especially the neighboring ones, that is, the European civilization that needed to shake off the dust of underdevelopment in the period historians called it the Dark Ages. When Andalusia was conquered by Muslims (2 AH / 8 AD), Andalusia was no different from the rest of Western Europe, in terms of the spread of ignorance, delay and chaos' After the conquest of the Muslims, they moved them to a stage of stability and establishment. They turned towards the revival of the dead land, the reconstruction of the desolate cities, the revitalization of stagnant trade and the revival of the late industry, until Andalusia under the Umayyad Caliphate became one of the richest and most populous European countries.
|