المستخلص: |
إن قاعدة "ما لا يدرك كله لا يترك جله" مفادها: أنه إذا تعذر حصول الشيء كاملاً، وأمكن المكلف فعل بعضه، فإنه يفعل المقدور عليه، ولا يترك الكل بحجة عجزه عن بعضه، لأن إيجاد الشيء في بعض أفراده- مع الإمكان- أولى من إعدامه كلية. وتأتي أهمية هذه القاعدة من جهة اتساع مجال إعمالها، إذ يندرج تحتها مسائل كثيرة من أبواب شتى، لكونها تتعلق بالمأمورات الشرعية التي هي تمثل غالب التكاليف الشرعية، وقد روعي في امتثالها قدرة المكلف، والتدرج بحسب استطاعته، بالانتقال من الحال التي يعجز عنها إلى الحال التي يطيقها. ويعد أقدم من صرح بذكرها- فيما وقفت عليه- هو الملا علي القاري في كتابه "المرقاة شرح المشكاة". وقد جاء في معناها: القاعدة الشهيرة "الميسور لا يسقط بالمعسور" إذ يتمثل فيهما جانب التيسير والتخفيف، غير أن قاعدة "ما لا يدرك كله لا يترك جله" أوسع في مجال التفريع، إذ تشمل ما هو لازم وما ليس بلازم من ندب وإباحة، بل تتجاوزه إلى ما يجري مجرى الأخبار. كما أن لها صلة بقواعد فقهية أخرى: منها ما يتفق معها دلالة ومعنى، ومنها ما يقاربها في ذلك، أو يشاركها في بعض ما تدل عليه.
|