المستخلص: |
تنطلق هذه الدراسة من الأهمية التي امتازت بها معالجة الفلاسفة المسلمين لقضية الشعر، بوصفهم أكثر من أخذ العمل العقلي المحض إلى أقصاه في التراث العربي الإسلامي، وأكثر من انفتح على مصادر معرفية متعددة في مقدمتها بلا شك المصدر اليوناني الذي عني أيضا بدراسة ظاهرة الشعر. وقد كان لهاتين الخصيصتين دورهما البالغ في وسم أعمال هؤلاء الفلاسفة- وأبو نصر أول فيلسوف منهم تصلنا أعماله المتعلقة بالشعر- بالطابع النظري الشامل الذي يحاول أن ينتقل بالظواهر المدروسة من جزئياتها التفصيلية إلى أنساقها الكلية، وفي هذا ما يجعل أعمالهم مهمة في إطار البحث عن (نظرية) للشعر في التراث النقدي العربي. تهدف هذه الدراسة إلى استقصاء ما كتبه أبو نصر في مسألة الشعر دون أن تستثني شيئا من أعماله مهما بدت لوهلة بعيدة عن قضية الشعر، كما أنها تعمل على ربط ما يقوله أبو نصر في قضية الشعر بمجمل فلسفته، انطلاقا من مقدمة تأسست عليها هذه الدراسة مفادها أن ما يمكن استنتاجه حول قضية الشعر من أعماله الفلسفية أكبر من المصرح به في رسائله المختصرة التي خص بها الشعر وأكثر تعقيدا وثراء. وقد كشفت هذه الدراسة عن مكانة الشعر في نظرية المعرفة الفارابية من خلال تقصي مفهوم (التمثيل) وعلاقته بـــ (القياس) ولاسيما (قياس الأشكال الحملية)، ومن خلال مفهوم (الخيال) ومكانته في نظرية الإدراك عند أبي نصر وما تتفرع عن هذه المفاهيم من مباحث منطقية وفلسفية. كما كشفت عن وظيفة الشعر من خلال فلسفة أبي نصر العملية القائمة عنده على مجالي (الدولة) و (الأخلاق) وما يستتبع ذلك من بحث في ماهية المدينة الفاضلة وأساسها الميتافيزيقي وترتيب أجزائها وعلاقة الشعر بصناعات المدينة ومعارفها، بالإضافة إلى بحث علاقة الشعر بالسلوك البشري وأثره على مفهوم (الوسط الأخلاقي) الذي تقوم عليه نظريته في الأخلاق وصلة الشعر بالمبادئ الأخلاقية الثلاثة (الفضيلة) و (اللذة) و (المنفعة). كما تتبعت الرسالة قضايا (التخييل) و (المحاكاة) واللغة والإيقاع والموسيقى التي تمثل أجزاء الظاهرة الشعرية.
|