| المستخلص: |
ليس من السهل علينا، فلسفيا ومعرفيا وأبستمولوجيا، اقتحام أسئلة النقد ونقد النقد، بمعزل عن الاقتدار المعرفي والتمكن العلمي من الخلفيات الفلسفية والمعرفية والإبستيمولوجية والأيديولوجية، التي تؤطر مفهوم النقد وتساعد في التحديد المنهجي العلمي الدقيق لدلالاته ومقاصده ووظائفه وأهدافه. تزداد مغامرتنا «المتهورة والوقحة» هذه تعقيدا، حين يتعلق الأمر بنقد النقد، وهذا ما يفرض علينا علميا وضع مقدمات/ أسئلة، ولو مقتضبة، بما هي مداخل أساسية تمكننا مقاربة أسئلة النقد ونقد النقد ومحاورتها، بنوع من جدل السؤال في كتابات طرابيشي، وبخاصة تلك التي تناول فيها نقد الدراسات التراثية، بمختلف مشاربها الفكرية: القومية العلمانية والإسلامية والماركسية، بــ«ماركاتها» المسجلة والمستقلة، إضافة إلى نقده مشروع محمد عابد الجابري في نقد العقل العربي. نحن نعرف جيدا أن المفكر جورج طرابيشي ليس من طينة أولئك المتطفلين على سؤال النقد، بل يمكن أن نقول، من دون أي مبالغة، أن طرابيشي ولد ناقدا في عالم الكتابة خاصة، والممارسة الأيديولوجية عامة، من دون أن نغفل التمفصل المزدوج لسيرورة حركة النقد عنده، من الذات والفكر إلى الواقع الحي. بمعنى أن تطوره الفكري وموسوعية اطلاعه الواسع تؤهله علميا لخوض غمار أسئلة النقد ونقد النقد، وهذا ما مارسه بالفعل، «برؤية مركبة وعميقة» في الحقل الفكري الثقافي في مختلف كتاباته، سعيا وراء التأسيس الفلسفي والإبستيمولوجي للمعرفة العلمية في حقل نقد التراث العربي الإسلامي، بوصف ذلك معادلا للتحديث والحداثة وبعيدا من سطوة تسلط الأيديولوجيا، في قراءة التراث وتكريس الواقع السائد، بما يخدم النكوص الأصولي الماضوي الآخذ في التمركز والانتشار. إلى أي حد تمكن المفكر طرابيشي الوفاء العلمي لطموحه ومقدماته المنهجية في التملك الفلسفي والمعرفي لأسئلة النقد ونقد النقد، في الاطلاع الواسع والموسوعي، بنوع من التوثيق العلمي المستوعب والمتجاوز مصادر النصوص المنقودة لخصومه ومراجعها من جهة، وفي القدرة المعرفية والمنهجية لممارسة التحليل والنقد والتفكيك والبناء من جهة أخرى؟ كيف يمكن أسئلته النقدية أن تنتج إضافة معرفية نوعية في تشخيص أسباب أفول العقل واستمرار العود الأبدي إلى قداسة النكوص الماضوي؟ على الرغم من كل ما قدمه طرابيشي من إنجاز وبحث علمي، فإن السؤال النقدي، وهو أقرب إلى المثل الأعلى، لا يرحم كل من اقترب من شعلة نوره وناره المحرقة، بمعنى: ألم يبتلع المفكر طرابيشي، في نقده أعمال الآخرين، طعم الأرضية الفلسفية والإبستيمولوجية لضحاياه، فعاود اجترار السقف الأيديولوجي نفسه لانتصار الاستبداد والأصولية المتوحشة، ومن ثم أفول العقلانية النقدية؟
|
