المستخلص: |
يعد التطرف بمفهومه الحداثي انعكاساً فكرياً واستقراءاً تاريخياً لمجموعة من الأيديولوجيات والمناهج المذهبية التي ظهرت في عصر صدر الإسلام، نتيجة لعوامل عدة: منها التأويل الظاهري للنص القرآني، وانحراف أوجه الاستدلال والتفسير، ومنها خلط المفاهيم الإسلامية ببعض معتقدات الأديان القديمة متجسدة في التجسيم والتأليه، ومنها عدم استساغة بعض الأمم القديمة فكرة الانقياد للحكم العربي ممثلاً في الخلافة الإسلامية، ومنها ظهور الجدل بين المسلمين في قضايا العقيدة والسياسة وصولاً إلى ظاهرة (التكفير) بين الفرق الإسلامية ومن ثم تشريع قتال المخالفين. وقد تظافرت تلك العوامل مجتمعة، مضافاً إليها مبررات رأى أصحابها أنها كافية للخروج وإعلان القتال في المجتمع الإسلامي الوليد، بدأت من الطعن والخلاف الفكري والتأويلي، ثم تطورت إلى التكفير واستحلال دم المسلم وتحكيم السيف لحسم الصراع الذي تحول من خلاف في القول إلى افتراق وتناحر. وبنظرة غير عجلى لبدايات هذه الظاهرة في تاريخ الإسلام يستوقفنا عهدان راشدان، تطرفت فيهما الأفكار وتدخل السيف لحسم الصراع، فعهد سيدنا عثمان رضى الله عنه شهد أول خروج في الدولة الإسلامية، وافترق المجتمع الإسلامي إلى مناصرين وخوارج، وأدت تلك الفرقة إلى استشهاد الخليفة عثمان رضى الله عنه ما فتح أبواباً للجدل والافتراق، تنامى واستفحل في عهد الخليفة الراشد علي بن أبي طالب رضى الله عنه، الأمر الذي أسهم في وضوح ظاهرة التطرف المتمثل في فرقة الخوارج بأفكارها ومعتقداتها، ثم المعتزلة برؤاهم وأقوالهم، والسبائية بغلوهم وتطرفهم، والشيعة بجنوحهم الغالي في التطرف والتعصب، ثم ظهور فرق أخرى وشيع شتى، تطرفت وغالت في أفكارها حدّ الغلو والتطرف مثل الجهمية والثوبانية والكرامية والغسانية والأشاعرة والمرجئة وغيرها. وهذا البحث استقصاء لنشأة هذه الظاهرة في بعدها التاريخي والمذهبي، وتأطير لبعض أشهر مذاهبها وفرقها وأفكارها وأعمالها، وبالأخص في بدايتها الزمنية منذ عهد الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضى الله عنه، وعهد خليفته علي بن أبي طالب رضى الله عنه، وصولاً إلى محاولة الربط بين أفكار تلك الفكر وأثرها التاريخي والعقدي على مجمل أفكار المتطرفين وعقائدهم في أزمنة آخر من عصور الإسلام وصولاً إلى الأفكار والأقوال التي بقيت من عقائدهم إلى يوم الناس هذا، واتخاذ بعض الجماعات المتطرفة- حديثاً- تلك الأفكار منهجاً ومعتقداً في تبرير العنف والتطرف نتيجة لجهل أو تحقيقاً لأهداف وغايات، فهذا البحث ينحو باتجاه دحض حجج تلك الفرق وأفكارها وأقوالها اعتماداً على كتاب الله القويم وسنة رسوله الكريم، واستشهاداً بسيرة النبي العطرة الصحيحة، وسير أصحابه الميامين، وبيان الدور الفاعل الذي اضطلع به الشعراء؛ لتوثيق تلكم الأحداث التاريخية، وتدوين تينك الأفكار المنحرفة التي أدخلت كثيرا من الشباب في نفق مظلم شغلهم عن العقيدة الإسلامية الصحيحة المستقاة من كتاب الله عز وجل وسنة نبيه رضى الله عنه. فالشعر العربي لم يكن بمعزل عن تأريخ الأحداث والموقف، وإعادة صياغتها، وهذا ملاحظ لدى الشعراء بشكل جلي، فقد تميزت حياة العرب قبل الإسلام بكونها حياة حربية تقوم على سفك الدماء، وكان الشعر لا يزدهر إلا في الحرب، لذلك فإن القبائل العربية التي لم يكن بينها حروب، ولم تعرف بوقائع وأيام لم يزدهر فيها شعر، يقول ابن سلام: "وإنما كان يكثر الشعر بالحروب التي بين الأحياء، نحو حرب الأوس والخزرج، أو قوم يغيرون ويُغار عليهم، والذي قلل شعر قريش أنه لم يكن بينهم نائرة ..." (ابن سلام 1: 259). وتبعا لذلك ارتأى الباحثان تقسيم البحث على ثلاثة مباحث: فالمبحث الأول التعريف بالتطرف، وحقيقته، وأقسامه. في حين يتجه المبحث الثاني إلى دراسة نشأة التطرف الديني عند المسلمين تأثرا بمن سبقهم من الأمم، وما نظمه شعراؤهم في تأصيل قواعدهم المنحرفة. وينحو المبحث الثالث إلى عقد مقارنة بين معتقدات بعض الفرق الضالة، ومدى صحتها من عدمها. وختمت الدراسة بخاتمة اشتملت على أهم النتائج التي توصلت إليها الدراسة، ثم قائمة للمصادر والمراجع التي اعتمد عليها الباحثان.
|