المستخلص: |
بعدما استعرضنا هذه التعريفات المختلفة لمفهوم الهوية لدي عينة من المفكرين الاجتماعيين المعاصرين، وما اقترحوه من حيث طبيعته ومكوناته وأبعاده, نتساءل : هل يمكن لنا أن نستخلص من كل هذه الإسهامات ما يمكن الاعتماد عليه لتوضيح ما المقصود بالضبط من استعمال هذا المفهوم على نحو قادر على تقديم خدمة منهجية في الفكر السوسيولوجي المعاصر؟ يمكن، في تقديرنا . أن نستخلص من كل ما تقدم ما يلي: لقد ظهر مفهوم الهوية في بداية المرحلة . فيما يبدو، في مجال العلاج النفسي, وقد ارتبط آنذاك بالظاهرة المعبر عنها بـ " أزمة الهوية". والملاحظ أن هذه العبارة لا تزال منتشرة في مجال العلوم الإنسانية، ولعل ذلك مؤشر على أهمية وحيوية الهوية كظاهرة وما تثيره من مشكلات في البحث السوسيولوجي والنفسي. إن مفهوم الهوية أصبح من المفاهيم المتداولة في حقل علم الاجتماع ولكن بشكل يطمح، في هذا المجال على الأقل، إلى إزالة الفوارق بين علمي النفس والاجتماع، ولذلك، فقد اعتبر مفهوم الهوية فرصة لتجاوز ثنائيتي : النفسي- الاجتماعي, والذاتي / الموضوعي, باعتباره يعطي الفرصة للنظر إلى الفرد، كوحدة للتحليل العلمي, من خلال مساره الشخصي الذاتي ولكن تفاعله مع المؤسساتي والمجتمعي في الآن نفسه. إن الهوية تعبر عن شعور، وتمثل الفاعل الاجتماعي لذاته وللآخرين ولمجموعته . وللمجتمع ككل. - إن الهوية لا تتحدد بالوضعية " الحقيقية" التي يعيشها الفرد أو الجماعة وإنما بطبيعة وعي الفاعل وشعوره بذاته وبالتمثلات التي يحملها عن وضعيته في مقابل الفاعلين الآخرين ومن خلال طموحاته وتطلعاتة ومشاريعه. - إن الهوية ليست ثابتة، وإن كانت في غالب الأحيان مستقرة نسبيا، فهي ظاهرة متغيرة عبر فترات تاريخ الفرد والجماعة. - إن الهوية، بحكم أنها تنبثق عن الإنتماء إلى الفئة الاجتماعية، متعددة بحسب الفئات التي ينتمي إليها الفاعل . ومن ثم أمكن الحديث عن هويات مهنية، واجتماعية، وإثنية، وثقافية, ودينية، ووطنية، وقومية .. الخ . ولذلك كانت هناك إمكانية تصور وجود، لكل فرد من أفراد المجتمع، ما يمكن أن نسميه بـ " الهوية المركبة" الناتجة عن تراكم الهويات الفرعية المختلفة. وهو ما يعطي إمكانية الشعور بوحدة الهوية على مستوي المجتمع ككل حتى وان كان هذا المجتمع يتشكل ممن وحدات إثنية وثقافية وسياسية ... متنوعة. - هناك، في علم الاجتماع رؤيتان أساسيتان على الأقل . يمكن أن ننظر من خلالهما لمفهوم الهوية . الأولي تميل إلى اعتبارها نتيجة للتنشئة الاجتماعية التي يخضع لها الفرد من خلال مساهمة وتأثير المؤسسات القائمة . والثانية تعتبر الهوية ناتجة عن الموقع الذي يوجد فيه الفرد أو الجماعة كفاعل اجتماعي تتحدد هويته بالعلاقة مع الآخرين وبقدرته علي فرض وجوده وإرغام الآخرين على الاعتراف به وبمصالحه في إطار نسق العلاقات الاجتماعية السائدة. - يمكن الجمع بين تلك الرؤى, واعتبار الهوية ناتجة عن الالتقاء بين البعدين المذكورين سابقا: التنشئة الاجتماعية التي يتعرض لها الفاعل من جهة وتفاعله مع البناء الاجتماعي ومؤسساته المختلفة من جهة ثانية. فالهوية كما ذكر " دوبار " ناتجة عن مسار تاريخي ولكنها في الوقت نفسه منتجة للتاريخ.
|