المصدر: | المجلة العربية للثقافة |
---|---|
الناشر: | المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم |
المؤلف الرئيسي: | الشيباني، خيره (مؤلف) |
المجلد/العدد: | مج 29, ع 57 |
محكمة: | نعم |
الدولة: |
تونس |
التاريخ الميلادي: |
2011
|
الشهر: | يناير |
الصفحات: | 59 - 89 |
ISSN: |
0330-7042 |
رقم MD: | 330308 |
نوع المحتوى: | بحوث ومقالات |
قواعد المعلومات: | HumanIndex |
مواضيع: | |
رابط المحتوى: |
المستخلص: |
لقد اعتبر فرويد في كتاباته الأخيرة أن المرأة هي صانعة الحضارة، فيما يعمل الرجل بنزعته التدميرية على القضاء عليها. لن نجاري فرويد في هذا الفصل الجذري بين ((الإيروس)) و((التيتنوس)) بين نزعة الحب والحياة من جهة، ونزعة العنف والموت من جهة ثانية، ففي كل فرد مزيج من هذه وتلك، فهما تتعايشان أو تتنازعان بهذا القدر أو ذلك، ولكن المرأة، بتكوينها البيولوجي والنفسي الذي يمد بينها وبين أطفالها حبلا سريا من العطاء لا ينفصم، إذ تمنح الحياة فإنها تبدع ما به تستقيم هذه الأخيرة. فالإنجاب يدخل المرأة في سيرورات من أنسنة الرضيع والطفل باقتلاعهما من الدرجة الصفر، من حيوانيتهما البدائية والارتقاء بهما إلى مقام الإنسان. إنه الشكل الأول من مساهمة المرأة في إنتاج الثقافة وتقدمها، ولكنه ليس الشكل الأخير. ولقد عملت كل الثقافات، بلا استثناء، على تعطل هذا الدور، كما أوضح ذلك بورديو في كتابه الهيمنة الذكورية. ولكن يبدو أن الثقافة العربية كانت أكثر استماتة في لعب هذا الدور المناهض لفاعلية المرأة في الثقافة، بسبب كثافة حضور الديني، خصوصا بأشكاله المتزمتة، وتأثيره الواضح، في مرجعيات هذه الثقافة، وبسبب أوضاع تاريخية وحضارية شديدة التعقيد، أخرجت الثقافة العربية من أنوار العقل والاجتهاد إلى ظلمات الجهل والقليد. إن جهودا كبيرة قد بذلت منذ بدايات الحركة الإصلاحية العربية لمعالجة هذا الوضع، سواء على مستوى المشاريع الفكرية الإصلاحية أو على مستوى مخططات التنمية التي تبنتها الدول العربية في هذا المجال، حيث جعلت العديد من الحكومات تطوير أوضاع المرأة العربية إحدى أولوياتها. ولقد وجدت هذه الجهود صداها في الواقع، ولكنها وإن أثمرت ما عرفه الواقع الاجتماعي العربي من حراك، فإنها لم ترتق به إلى درجة المنشود، ذلك أنها كانت من ناحية جهودا متقطعة تحكمها خيارات أيديولوجية وسياسية ظرفية في كثير من الأحيان وتقع تحت إكراهاتها، كما أنها كانت تقع من ناحية أخرى في إطار مخططات قطاعية تجزيئية وخارج استراتيجيات كبرى شاملة للتطوير والتحديث. كما أن مقاربات هذا الوضع كانت تفتقر إلى الحفر في الجذور الثقافية العميقة لعمليات الممانعة والإعاقة والتعطيل التي تواجه بها عمليات تطوير أوضاع المرأة، لغلبة المقاربات الاجتماعية والاقتصادية عليها. لهذا تمثل الاستراتيجية الثقافية للنهوض بأوضاع المرأة العربية مدخلا أساسيا لمواصلة هذه الجهود، من منظور ثقافي شامل، وهو منظور مازال يغيب في مخططات التنمية العربية ولكنه منظور يغيب أيضا في المقاربات البحثية لأوضاع المرأة في بلداننا. بما تمثل هذه الاستراتيجية تكريسا لالتزام أخلاقي وحضاري وسياسي لما دعت إليه المواثيق والعهود الدولية من ضرورة تمكين المرأة من التمتع بكافة حقوقها من ضمنها حقوقها الثقافية، وتكريسا لمطالب الإصلاح والتحديث العربية التي انطلقت مشرقا ومغربا منذ القرن التاسع عشر. ولا شك أن انخراط الدول العربية في مسار الإصلاح والتحديث، الذي انطلق تلبية لحاجيات داخلية ولإكراهات خارجية، والذي تبناه رسميا مؤتمر القمة العربية الذي احتضنته تونس عام 2004، والإقرار بدور المرأة في الحفاظ على الهوية الثقافية في عصر العولمة الجارف، وضرورة تمكينها من أجل المساهمة في بناء ثقافة تنويرية تحديثية تسهم في بناء الإنسان العربي القادر على مواجهة تحديات العصر والإيفاء بمقتضياته، كل هذا يعطي مشروعية لما يمكن أن يكون إنجازا عربيا هاما، ومسهما في إحداث نقلة نوعية ليس على مستوى تطوير أوضاع المرأة العربية فحسب، ولكن أيضا على مستوى تحديث المجتمعات العربية ونقلها من ثقافة الموت إلى ثقافة الإبداع والحياة. |
---|---|
ISSN: |
0330-7042 |