ارسل ملاحظاتك

ارسل ملاحظاتك لنا







الشباب العربي و الوسائط المتعددة : أي دوافع و أي مخاطر ؟

المصدر: مجلة الاذاعات العربية
الناشر: اتحاد اذاعات الدول العربية
المؤلف الرئيسي: حميدو، كمال (مؤلف)
المجلد/العدد: ع 3
محكمة: نعم
الدولة: تونس
التاريخ الميلادي: 2011
الصفحات: 70 - 84
رقم MD: 385466
نوع المحتوى: بحوث ومقالات
قواعد المعلومات: HumanIndex
مواضيع:
رابط المحتوى:
صورة الغلاف QR قانون
حفظ في:
المستخلص: إن العالم الافتراضي الذي خلقته الوسائط المتعددة وزجت فيه بشباب العالم، بما فيه الشباب العربي، ما هو سوى نتيجة للحتمية التكنولوجية التي ولدتها تكنولوجيا التلمتيك. ولعله ليس من قبيل المغالاة أن نقول بأن الوسائط المتعددة بصيغتها الحالية وبرغم الهزات الكبيرة التي هي بصدد إحداثها في المجتمعات الأنسانية ما هي في حقيقة الأمر إلا البداية المحتشمة لما سنعرفه مستقبلا من استعمالات تكنولوجية ستؤسس لقيم ثقافية واجتماعية جديدة من شأنها أن تضع على المحك الكثير من البنى الفكرية السائدة حاليا، خاصة عند بروز الاستخدامات التي سترتبط بالجيل الثالث من الإنترنت أو ما يسمى بالويب الثالث (Web 3) (ج). لقد أشارت دراسة مستقبلية نشرت على موقع Strategy Analytics بأن اللجوء إلى استخدام الشبكات الاجتماعية الافتراضية - التي تعد من أهم استعمالات الوسائط المتعددة عند الشباب وأهمها تأثيرا عليهم - سيتوسع أكثر على المدى القريب، إذ أن 75% ممن يرتادون المواقع الإلكترونية شكل عام سيتبنون على الأقل شبكة اجتماعية واحدة في الثلاث سنوات القادمة، فيما تتوقع تلك الدراسة أن يتزايد عدد مستخدمي هذه الشبكات ليتجاوز المليار مشارك بحلول عام 2012. إن تلك الاستعمالات الجديدة التي تولدها الوسائط المتعددة ليست مجرد امتداد لما عرفته البشرية من خلال تكنولوجيات سابقة، كما أن تأثيراتها الاجتماعية والثقافية ليست مجرد امتداد إلكتروني لظواهر اجتماعية عرفناها سابقا بشكل أو بآخر. إن التغير الذي نعيشه أعمق بكثير، تماما كما ستكون التداعيات النهائية لذلك التغير أعمق عندما ستكتمل الطفرة. إننا في مرحلة الانتقال من البنية الفكرية القائمة على النصوص المطبوعة إلى البنية الفكرية الصورية التي لا يترتب عليها بنية فكرية خطية كما في سليفتها بل بنية فكرية صورية فسفسائية. إن تلك البنية الفكرية لا تنعكس فقط على طريقة تفكيرنا بل وأيضا على طريقة إدراكنا للعالم الذي نعيشه. إن الوسائط المتعددة بما تمكنه للمستخدمين من جيل التلمتيك من تجاوز للحدود الجغرافية والنفسية والثقافية، هي بصدد إعطاء معان جديدة لمفاهيم الهوية والانتماء والمواطنة تختلف تماما عن تلك المفاهيم التي صيغت في القرنين الثامن والتاسع عشر تحت تأثير خلفيات أيديولوجية أو سياسية أو دينية تحدد الأنا كتضاد للآخر. إننا نعيش الارتسامات الأولى لما يمكن الاصطلاح على تسميته بفضاء عام عالمي قد يعطي الأسس الأولى لتشكل رأي عام عالمي لا تلعب فيه الحكومات أدوارا أولى. وعلى الرغم من أن تلك المفاهيم ستطرح تحديات جديدة للحكومات والأنظمة السياسية العالمية خاصة في ما يتعلق بمسألة إدارة الأقطار وتشكيل توجهات الرأي العام داخل الدول، إلا أننا نرى في تلك التحولات ارتقاء حقيقيا نحو الإسنانية كمثل أعلى وكمعيار أساسي لصياغة مفاهيم الهوية والمواطنة والانتماء. إن الوسائط المتعددة بما تسمح به من اختراق للحدود الجغرافية والثقافية ما هي في حقيقة الأمر إلا مظهر من مظاهر العولمة وأداة لها في ذات الوقت. وبالنظر إلى المسلك الذي تأخذه المجتمعات البشرية ككيانات سياسية واقتصادية بالأساس من نزوع نحو التكتلات وتشابك في الاقتصاديات وانحصار للحدود، فإنه يمكننا القول بأنه في عصرنا الحالي لا يمكن تجاهل تلك التكنولوجيات بتجنب استعمالها أو اللجوء إلى أي شكل من أشكال العزلة كإجراء حمائي ضدها أو ضد دوامة العولمة. صحيح أن للوسائط المتعددة انعكاسات سلبية نفسية واجتماعية وأمنية لا تحصى، غير أن تلك السلبيات لا تعني الوطن العربي وحده، كما أنه يمكن التعامل معها والتقليل من تأثيراتها من خلال برامج توعية تعطى داخل الأسر والمدارس ووسائل الإعلام ذاتها، وكذلك من خلال سن قوانين إقليمية ودولية متكاملة وملزمة تجبر من يصنع أو يبث أي محتوى على احترام معايير أخلاقية ومهنية معينة دون أن تكون تلك النصوص مبررا للحد من حرية التعبير. إن التخوف من تلك السلبيات، بقدر ما هو مشروع وبقدر ما يجب التفكير الملي في سبل حصر تلك الانعكاسات، خاصة تلك التي تمس الأطفال والمراهقين منها، بقدر ما لا ينبغي أن يدفعنا ذلك الخوف إلى اتخاذ مواقف رجعية من ذلك التطور التكنولوجي الحتمي. إن التعامل مع الوسائط المتعددة كمظهر من مظاهر العولمة بما تفرضه من تكنولوجيا وقيم هي مثل التعامل مع المد البحري المدمر، فإما أن نجبر أنفسنا على تعلم السباحة وركوب المد لكي نصبح جزءا منه، نتفاعل معه بالأخذ والعطاء، أو أن نقارعه بالمواجهة مع المخاطرة بأن يجرفنا المد ليكون مصيرنا الهلاك والزوال.