ارسل ملاحظاتك

ارسل ملاحظاتك لنا







الأزمة الاقتصادية العالمية وإعادة الاعتبار للاقتصاد السياسي العلمي

المصدر: الطريق
الناشر: أنطوان تابت
المؤلف الرئيسي: قطيش، مفيد (مؤلف)
المجلد/العدد: مج 71, ع 3
محكمة: نعم
الدولة: لبنان
التاريخ الميلادي: 2012
الشهر: الربيع
الصفحات: 24 - 56
رقم MD: 393447
نوع المحتوى: بحوث ومقالات
قواعد المعلومات: EcoLink
مواضيع:
رابط المحتوى:
صورة الغلاف QR قانون
حفظ في:
المستخلص: هناك فارق كبير بين البحث عن مخارج للأزمة انطلاقاً من موقف ينطلق من الإيمان بأبدية الرأسمالية، من اعتبارها نظاماً طبيعياً لم تعثر البشرية على بديل عنه، ولذا فإن الأزمة من وجهة النظر هذه غير مرتبطة بطبيعة هذا النظام وآليات عمله، بل هي إما نتاج أفعال غير مسؤولة (إدانة أخلاقية) أو نتاج العولمة (وهي مسألة موضوعية لا يمكن إيقافها) أو نتاج سياسات اقتصادية تسببت بمشاكل (يمكن وينبغي تغييرها). ولذا فإن أية تدابير لا ينبغي أن تقتل الذئب (مسبب الأزمة) ولا ينبغي أن تسمح بفناء الغنم (الجماهير الكادحة). التدابير هي عملية قصقصة للزوائد في آليات عمل الرأسمالية دون أن تصل لأي تغيير جذري يطال الأساس. ولا فداحة في أن تدفع البشرية كل 7- 10 سنوات كلفة انفجار فوهة بركان- فقاعة مالية تفنن المضاربون في إنتاجها وورطوا ملايين البشر في المشاركة بها- طالما أن الخسارة تطال الصغار والمتوسطين والضعفاء، لا حاجة لكسر الآلة التي تتسبب بهذه الكوارث. أما البحث في المخارج من الأزمة، من وجهة نظر الطرف النقيض، الذي يرى الأزمة محطة إلزامية في حياة الرأسمال و الرأسمالية، نابعة من تناقضها الأساسي، وظيفتها تسوية عنفيه لكل الاختلالات فيها، هذا البحث لا يرى مخرجاً من منطق الدورة التي تولد الأزمة بإيقاف العمل بهذا المنطق. بتجاوز الرأسمالية إلى نظام جديد يحرر البشرية من الأزمة وكلفتها، بدأت، عملياً الرأسمالية تستعير منه آليات وخلايا تساعدها على تلطيف التناقضات والمشاكل المتنوعة. إلى أن تحين هكذا إمكانية سوف يكون المخرج من أي أزمة اقتصادية آلية تحضر الظروف للأزمة القادمة. وعليه ينبغي إضفاء طابع ديمقراطي على المعالجات يحول دون تحميل الجماهير الكادحة وحدها عبء الأزمة وكلفتها. وهذا انتقال من الاقتصاد إلى السياسة، إلى دور الدولة والقوى السياسية في المجتمع. 1- مارست الأزمة فعلها تماماً كما تذكر الكتب والنظريات العلمية: تراجع الإنتاج، انخفضت الأسعار، اتسعت البطالة، تناقض تشغيل الطاقات، تراجعت المداخيل، اتسعت الافلاسات وتعاظم تمركز الرأسمال والإنتاج، اتسع الفقر المطلق والنسبي للجزء الأساسي من سكان العالم، وتعاظمت صعوبات العديد من الحكومات على قاعدة المديونية الحكومية والتناقض في التدابير المتخذة – من السياسة المالية التوسعية التحفيزية في أميركا، إلى السياسية المالية الانكماشية في أوربا، إلى الحمائية هنا وهناك. وأنتجت ثورات. 2- دخلت الأزمة مرحلة متداخلة من الركود والانتعاش البطيء جداً حسبما تفيد معطيات صندوق النقد الدولي، بما ينذر بموجة ارتدادية خلال السنة الحالية. إذ ما زال مؤشر ناسداك أقل بـ 42% من معدله عام 2000؛ ومعدل S&P يتحرك عند معدل عام 1999؛ والمدخولية تعادل الصفر. 3- اتسمت المعالجات بطابع صريح إذ تتم لصالح الرأسمال على حساب الجماهير الكادحة وهو ما ألهب حركة احتجاج قوية اتخذت لأول مرة منذ زمن بعيد وجهة مباشرة في معاداة الرأسمالية. 4- ترتبك البرجوازية ومؤدلجوها ودولتها بين الإقرار الصريح بالأزمة، والمكابرة والإصرار على تجاهل الأسباب الحقيقية للأزمة الكامنة في طبيعة الرأسمالية ذاتها في تناقضاتها الفطرية، في التناقض الأساسي الذي طبعته العولمة بطابع عالمي، جعل الأزمة أزمة عالمية، تفرض معالجات على نفس المستور هي غير متاحة. 5- تكتسب الأزمة مزايا جديدة أملتها عليها التغيرات الجديدة في الرأسمالية المتمثلة في تشكل نوع من "رأسمالية مالية" تضفي عليها طابعاً تدميرياً مضاعفاً لجهة عمقها واتساعها وحجمها، وذلك سينعكس قصراً في زمن الدورة، وكثافة في تمركز وتركيز الرأسمال، وضحالة في مفاعيل التدابير المتخذة لمعالجة الأزمات. إذ يكفي هنا التذكير بأن إبادة الفائض من الرأسمال لتعديل معد الربح ربما احتاج إلى مئات السنوات. 6- أن التخلص من الأزمات يكون بحل جذري للتناقضات التي تولدها، وهذا يعني الخروج من الطريق الرأسمالي للتطور باتجاه الاشتراكية عبر تغيير علاقات الإنتاج وإقامة الملكية الاشتراكية لوسائل الإنتاج. لكن هذا الخيار مؤجل راهناً بسبب ضعف النقيض الطبقي للبرجوازية، لذلك فإن كل حديث عن انهيار الرأسمالية بسبب الأزمة أمر بعيد عن العلم. لذا فإن الخيار المتاح هو فرض حلول ديمقراطية للأزمة تقضي إلى الحد من حرية حركة الرأسمال والسوق وإقامة القواعد والقوانين التي تعيد نوعاً من التوازن والرقابة الاجتماعية على النشاط الاقتصادي، ولن ينجح هذا الخيار ما لم يستأصل الورم المالي عن جس الاقتصاد العالمي. أن الخيار الديمقراطي يعني تحميل من فجر هذه الأزمة المسؤولية والأعباء للخروج منها، من مداخيلهم، من أرباحهم ومن ثرواتهم. أنهم أصحاب المصارف والشركات العقارية وكالات التقييم والتأمين والحكومات التي غطت هذه الممارسات ورؤساء المصارف المركزية والمؤسسات الدولية التي رعت هذه الممارسات. أن هذا الأمر يتطلب دوراَ نوعياً جديداً من الدولة- حتى بحلتها البرجوازية- تكون إقامة التوازن الاجتماعي محوره. وهذا يتطلب مقاربة جديدة للسياسة ذاتها. 7- لقد فجرت هذه الأزمة حراكاً اجتماعياً واسعاً ونوعياً. وهو حراك ينبغي أن يكثف ويجذر. ولذا فهو بحاجة إلى مناخ فكري وروحي ثوري جديد يخرجه من وضعية التنويم والتخدير التي فرضها الرأسمال و "علمه الاقتصادي المبتذل". أن هذا الأمر يعني إعادة الاعتبار للاقتصاد السياسي الماركسي كعلم أصيل، لأنه يتيح إنتاج صور مغناطيسية لجسم الرأسمالية، يكشف تناقضاتها وعرواتها ويسمح بالتنبؤ بتطورها وبمواعيد أزماتها، ويحدث عن آليات تطورها وما تنتجه من ظواهر. إن إعادة الاعتبار تكون بتحويل هذا العلم إلى مادة تثقيف أساسية للكادحين ولكن المهتمين بإخراج المجتمع من هذا التطور المأزقي الذي فرض عليه. وتعني إعادة الاعتبار: رهنته هذا العلم أي تطويره بما يتلاءم مع التحديات الجديدة التي تفرضها الرأسمالية المعولمة. وأخيراً لابد من أن ترتقي مواجهة الرأسمالية المعولمة إلى مستوى التحديات الجديدة. فالدعوة لعولمة المواجهة باتت أمراً ملحاً. ولكن كيف يمكن للمواجهة أن تتعولم ما لم تكن قد تجذرت على المستوى الوطني واتخذت الأشكال الصحيحة لتحرير الناس من نير الرأسمال؟

عناصر مشابهة