المصدر: | مجلة الدراسات الفلسطينية |
---|---|
الناشر: | مؤسسة الدراسات الفلسطينية |
المؤلف الرئيسي: | الناطور، أحمد (مؤلف) |
المجلد/العدد: | ع 93 |
محكمة: | نعم |
الدولة: |
لبنان |
التاريخ الميلادي: |
2013
|
الشهر: | شتاء |
الصفحات: | 82 - 99 |
ISSN: |
2219-2077 |
رقم MD: | 396964 |
نوع المحتوى: | بحوث ومقالات |
قواعد المعلومات: | EcoLink |
مواضيع: | |
رابط المحتوى: |
المستخلص: |
إن "المصلحة" إذاً هي ما كانت تحفظ المقاصد الخمسة، بدءاً بأعلاها رتبة ثم ما يليه، ويتعين من أجل الحكم بقيامها بيان جهات حفظ هذه المقاصد: بالنسبة إلى الدين من حيث الوجود ومن حيث تقويم الأركان ودرء الفساد، وحفظ النفس من حيث الوجود ومن حيث المنع، وحفظ النسل من حيث الوجود ومن حيث المنع وهكذا..." ولما كان على الفقيه أن يبين كيف يكون ما يراه من أفعال مصلحة، فإن عبء تبيان كون فتواه حافظة للمقاصد الخمسة واقع عليه، أو قل إن عليه أن يبين على الأقل أن قوله ليس مخالفاً للمقاصد، وذلك أضعف الإيمان، لأن ما كان غالباً عليه الضرر والمفسدة، إنما هو مفسده لا محالة ، بل إنه لا يمكن أن يكون مصلحة بحال ولما كانت مصالح العباد الدنيوية إنما هي مقدمات لنتائج المصالح" ، فإن ضياع أراضي المقابر في يافا كما هو الحال في سائر أراضي البلد عامة، لا يمكن أن يندرج تحت راية المصالح. لقد درج هؤلاء القضاة على القرار أولاً أن الدفن في المقبرة انقطع، وأنها مهملة يتعذر الحفاظ عليها، فيُقضى بحرثها وإزالة قبورها، ثم أنها بذلك صارت وقفاً عاماً يجري عليها ما يجري على الأرض العادية من الأحكام . بعدها يأتي من يطلب تنصيب متول عليها، هو في العادة رئيس لجنة الأمناء المنصوبة من طرف الدولة ، ينصبه القاضي ويفوضه بالتصرف كما يرى بالملك ثم تباع هذه الأرض ولا يدري أحد أين يذهب الثمن، مع أن من واجب القاضي أن يُجري محاسبة المتولي عما قبض وعما أنفق ( )، لأنه صاحب الولاية العامة إلا إنه، في أي حال من الأحوال، لم يفعل، على الرغم من أن القاضي ممنوع من التصرف في الوقف إلا في وجه مصلحة الوقف ( ). وليس أقل من إفتاء هؤلاء القضاة ذاته كونهم شكلوا نمطاً لبعض من تبعهم ممن هم أصغر منهم سناً: لقد وقع زكي مدلج- الذي كان عُيّن للقضاء في سنة 1985، صفقة مقبرة الاستقلال في حيفا لمصلحة شركة إسرائيلية، ثم أدى به الأمر إلى أن عُزل عن القضاء، بعد أن أدين بجملة من التهم الجنائية وحُكم عليه بالحبس الموقوف من جانب محكمتي حيفا- الصلح والمركزية . هذا، ونؤكد هنا أنه لم يجر امتلاك متر واحد بدلا من هذه العقارات المبيعة، الأمر الذي يجعل غزو هذه الأفعال إلى المصلحة هو ضلال وتضليل، إن ان ضياع الموقع الإسلامي في مدن وقرى صارت يهودية السكان، من حيث المبدأ، هو مفسدة وضرر خالصان من جهة، ومن جهة أخرى، فإنه محو الصلة الإسلامية مع مكان غلب عليه غياب المسلمين فيه. أما من ناحية المقاصد الشرعية فإن هذا التوجه ليس فيه فقط ما يمت بصلة إلى حفظ الدين أو النفس أو العقل أو النسل أو المال، بل هو ضرر واقع عليها جميعا. إن اعتبار المصلحة رعاية المقاصد الشرعية يجعلها مصلحة إسلامية خالصة، أي أنها مصلحة الأمة، لا ضرر الأمة، بأن يسوغ تصرف جهات تجاربه اسرائيلية مع مكتب الأراضي الإسرائيلية في أرض المقبرة الإسلامية. ومع استذكار أن المرسوم القضائي رقم (1) منع قضاة الشرع من اتباع هذه الفتاوى، وخصوصا انه جاء بعد فتاوى عديدة اصدرناها لتثبيت قدسية مقبرة الجماسين، وهي الفتوى التي أرست قواعد تثبيت قدسية المقابر الإسلامية ومنح بيعها، وبذا فإنها تشكل نقطة التحول التاريخي في هذا الشأن، وكذلك فتوى الشيخ مؤنس ومقابر اخرى عديدة. ان هذا المقام لا يتسع للخوض في مسالة تأصيل حرمة نبش القبور شرعا وهو الذي عليه فتاوانا حاضرا، وبموجبها تمت حماية مقابر غير قليلة من يد المتغلبة كالجماسين وكفر سابا وأم التوت وغيرها، فقد بينا أن هذا هو الحكم الشرعي من حيث المبدأ. ويذكر أنه منذ صدور هذا التحريم عنا، لم تجر حاله بيع واحدة لمقابر إسلامية. إن المصلحة المقصودة بطبيعة الحال، هي مصلحة المسلمين لا غيرهم، وخصوصا في سياق نزاع على الأرض، معلوم على رؤوس الأشهاد. لذا فإنه لعسير علي الفهم تماما كيف يمكن مثلا تبرير إباحة ارض مقبرة بئر السبع من اجل بناء محطة باصات مركزية لشركة الباصات، لبناء حي سكني يهودي عليها؟ أما القاضي فعلل فتواه بقوله: وبناء علي ما شاهدته في التاريخ المذكور من حيوية التنظيم في المدينة. ووقوع القسم المقترح ضمه للتنظيم قرب منطقة سكنية وافتاء العلماء [...] يوجد به بعض القبور القديمة التي لا يمكن المحافظة عليها، وعليه لا مانع من ضم القسم المقترح ضمه خارج الخط الأحمر حسب المخطط الجديد لقسم التنظيم [....] وكذلك الأمر بالنسبة إلى بيع مقبرة طاسو في تل الريش في يافا لشركة تجارية يهودية. ولما جعل الإمام الطرفي أساس رعاية المصالح من حديث الرسول صلي الله عليه وسلم لا ضرر ولا ضرار. فإنه لا يجوز التمويه بمعنى المصالح لدرجة اعتبار الضرر المحض واحدة منها. ومع أننا لا نرى جواز نبش القبور حتى في بلد إسلامي، وخصوصا إذا ما كانت الأرض موقوفة أصلا للدفن، فإننا نختلف مع من يرى جواز ذلك في حالنا هذا، ولا سيما أن أيا من شروط الجواز الذي يرددها هؤلاء أنفسهم سندا لفتواهم ليس قائما أصلا وأولها، بل أساسها، مصلحة المسلمين من قبل ومن بعد. |
---|---|
ISSN: |
2219-2077 |