المستخلص: |
منذ ما قبل التاريخ, وصل فنّ السلالة على الأرجح إلى درجة من الإتقان لا يمكن إلاّ تصورها استناداً إلى الندرة الكبيرة للآثار. لم يقتصر استخدامها على النقل والطبخ بما أنّه وصلنا كمّ معتبر من اللواحق, كالمعدّات والأثاث من السلالة في مجالات شتّى. ولم تكن السلالة تتطلب أدوات معقدة ولا السيطرة على النار _ كما في صناعة الفخار. و كانت مادتها الأّولية تبدو سهلة المنال. حيث يكفي فقط قلعها, يبقى هذا الفنّ صعباً في تحضيره إذ أنّه يقتضي تصور الغرض المصنوع من السلالة, حتّى المعقّد جداًّ, قبل أن يباشر فيه. من منظور الدراسة التي تسعى إلى الإحاطة بالقطاعات حيث يتيح ما هو كمّي تجاوز الذاتية الانطباعية والتغلّب على المصادفة, فإنّ السلالة بعيدة كلّ البعد عن إيجاد مكانتها. وإنّ الدراية بهذا القطاع الحرفي الّذي نجهل الكثير من جوانبه تبقى بعيدة الكُنْه, بالنظر إلى الغياب شبه الكامل للشواهد المادية المباشرة, لكن إنسان mapalia عبر إبداعاته التقنية, الّتي يعبّر من خلالها عن بعضٍ من كفاءاته وبعضٍ من حاجاته الأساسية, عرّفنا بها على الأقلّ عبر بعض الآثار التصويرية الّتي خلّفها: شواهد غير مباشرة ممثّلة على دعامات مختلفة (الفخار, والحجر, والفسيفساء), والّتي تعتبر وثائق ثمينة للكشف عن الأثاث المصنوع من مواد نباتية. فهل بالإمكان, مع المستوى الحالي من المعارف, التحدّث عن ممارسة تقنيات السلالة, والحبالة والنسج في نوميديا. ولعدم توّفر وثائق أثرية تسمح بمقاربة إحصائية, يتعذّر الربط بين الأشكال, والتقنيات ونطاقات الإنتاج. وكلّ ما يمكننا القيام به هو تسيطر بضعة ملاحظات. نلاحظ من مختلف التقنيات المستعملة من قبل السلاّلين النوميديين, فإنّ هؤلاء كانوا يعرفون السلالة الملولبة والمفتولة, ويستحيل إثبات الترابط بين التقنية والتسلسل التاريخي خصوصاً وأن الأنماط الرئيسية للسلالة معروفة منذ العصر الحجري الحديث. إن عدة تساؤلات تطرح, وسنقدّمها بتحفظ كامل:- السؤال الأول ذو طابع تاريخي: أين ومتى تم بلوغ مرحلة النضج التي سمحت بإتقان تقنيات مختلفة؟ السؤال الثاني يتعلق بظاهرة التغيّرات الثقافية, التقليد الثقافي المحلي. هل كانت تلك السلاليات هي الوحيدة المنجزة في نوميديا أو وجدت تقنيات وأشكال أخرى؟ هل عرف الحرفيون القدامى تكييف انتقاء النبتة أو الشجرة مع وظيفة الغرض المقصود؟ ليس قصدي إسناد استعمال محدد تماماً إلى صنف معيّن من الأغراض يمكن دوماً أن يفيد في استخدامات مختلفة: أداة زراعية, وأداة صيد, وأداة بناء, وأداة زخرفة داخلية؛ ولكن التلميح إلى شكل من الصناعة الحرفية, وبالتالي إلى جانب من حياة الإنسان الّذي يشكّل استثناء في العالم القديم في حين كانت على العكس يحتّل مكانة أكثر أهمّية في الحياة اليومية. أرجو أن أكون قد بيّنت - لا برهنت - أنّ السلالة أسهمت في الحضارة الإنسانية, حتى لو لم يتسن لنا استعمال كامل الوسائل لدراستها ومعرفة المزيد عن هذه المادة اللّينة.
|