المستخلص: |
إن الخلل الذي حدث في فكر بعض المجتهدين السياسيين، والخطأ الذي حدث في أحكام من حاول الدخول إلى السياسة من غير أبوابها الصحيحة- إفراطا وتفريطا- ليستدعي أهمية ضبط الاجتهاد السياسي. وتتعاظم ضرورة الاجتهاد السياسي في هذا الوقت لعدة أمور: من أهمها أن أغلب النصوص في باب السياسة عبارة عن قواعد عامة، تحتاج إلى اجتهاد في كيفية تطبيقها على الفروع، بالإضافة إلى بعض النوازل التي تحتاج إلى نظر واجتهاد؛ لإصدار أحكام فيها، كما أن الظروف والأحوال التي تمر بالأمة من ضعف وقوة، وشدة ورخاء، تحتاج إلى نظر سياسي متميز. ونظرا لأهمية الوسائل في باب الاجتهاد السياسي، فقد توسعت الشريعة في باب الوسائل حتى جعلت الأصل فيها الإباحة. وإذا تقرر التوسع في الوسيلة، فلا بد وأن نعلم بأننا نريد اجتهادا صحيحا موافقا لشرعنا، لا يتعارض مع ديننا، وهذا يدفعنا إلى اختيار الوسيلة المشروعة؛ فالمسلم له حدود لا يجوز له أن يتعداها. وهناك بعض الوسائل طريق إلى مفاسد: إما محققة، أو غالبة، وهي المسماة بالذرائع، وما دام أنها تؤدي إلى مفاسد فقد دعت الشريعة إلى سد أبوابها؛ لأن الشريعة مبناها على جلب المصالح، ودفع المفاسد. كما أن الشارع الحكيم قد راعى أحوال الكلفين التي نتقلب، ولا تثبت على حالة واحدة، فقد تمر بهم بعض الأحوال تضطرهم إلى استخدام الحرام، وهي ما يسمى بحالة الضرورة. فاستخدام الوسائل والذرائع في حالة الضرورة والحاجة يحتاج إلى دقة في النظر؛ لاستغلال هذه الحالة للبحث عن حلول للقضايا الطارئة دون تضييع للشرع أو الخلق. ومن خلال الحاجة الملحة لضبط الاجتهاد السياسي يتبين ضرورة اهتمام مراكز الدراسات بإعداد الكوادر المؤهلة في باب الاجتهاد السياسي، من خلال كتابة البحوث وعقد الدورات التأهيلية، فضلا عن إخضاع الأفكار المعاصرة في باب السياسة لدراسة متأنية لمعرفة ما لها وعليها.
|