المستخلص: |
قامت صحيفة "يولاندز بوسطن" الدانماركية بنشر رسوم كاريكاتورية للنبي صلى الله عليه وسلم، مقترنة بتعليق لرئيس تحريرها عبر فيه عن دهشته واستنكاره إزاء القداسة التي يحيط بها المسلمون نبيهم. وكما هو الأمر دائما عندما يستشعر السلمون إهانة متعمدة لرسولهم، انتفض العالم الإسلامي بالغضب. في الخليج والسعودية، ووصل الأمر حد إحراق البضائع الدانماركية في المخازن، ومن القاهرة إلى أنقرة وإسلام آباد وجاكرتا، سارت مظاهرات الاحتجاج. على إثر ذلك طالبت الرابطة الإسلامية في الدانمارك بتقديم اعتذار، بموازاة مع تظاهرة نظمتها أمام مقر الصحيفة، إلا أن الحكومة الدانماركية تعاملت مع الحدث بلا مبالاة. ولا يخفى الدور المتعاظم للفعل الشعبي، فلقد ظهرت الدعوات إلى المقاطعة الاقتصادية من خلال وسائل الإعلام المختلفة، فيما بدأت أسواق كبرى على امتداد العالم العربي والإسلامي بسحب المنتجات الدانماركية، وقد آتت المقاطعة أكلها؛ فوفق إحصائيات موثقة أدت حملة مقاطعة المنتجات الدانماركية فى العالم الإسلامي إلى خسارة الدانمارك ما يعادل ١٣٤ مليون يورو خلال خمسة أشهر. تعتبر أولى المشكلات المتصلة بقضية الرسوم في التسمية التي استحدثت لها، ثم أشاعتها وسائط الإعلام، وهي "الرسوم المسيئة"، فكيف يمكن الإساءة إلى شخصية بشرية مكتملة ناجزة كشخصية النبي صلى الله عليه وسلم؟!، وكيف يمكن أن تكون الرسوم إساءة إلى "عقيدة" المسلمين، وهي كينونة ناجزة ومحصنة فى ذاتها؟! ولعل تحليل الحدث وآثاره يمدنا بعدد وفير من الدروس؛ كالحاجة إلى مزيد من التأصيل، ومزيد بناء فى مجال فقه الاحتجاج الحضاري، مرورا بأهمية فكرة "الجهاد المدني"، التي زادتها الأزمة وضوحا لتزايد الحاجة إليه اليوم، وانتهاء بأزمة الأقليات والجاليات المسلمة في شتى بقاع العالم، وما تبينه مثل هذه الأحداث من عدم معرفة الآخر بنا في مساحات عريضة، وبمقدساتنا الدينية، كأمة ذات سمات وخصائص مميزة، سواء في عالم المسلمين، أو في مجتمعات المسلمين المستجدة في المهاجر المختلفة عبر العالم. ويبدو أنه ليس من خيار آخر لمواجهة التحديات المتلاحقة التي تمس المسلمين وغيرهم من قوى المادية اللاإنسانية، والاستبداد والهيمنة المتعددة الأوجه، سوى مسار الفعل الشعبي العام والمؤثر، والذي يستمد قوته وثباته أساسا من عقيدة الإنسان وقيمه وإرادته.
|