المستخلص: |
على مدى العقد الماضي عادت روسيا بوضوح كقوة كبرى على الصعيدين الإقليمي والدولي, ولكن برؤية وأولويات لسياستها الخارجية تختلف جذريا عن تلك التي حكمت السياسة الخارجية السوفيتية على مدى ما يزيد عن سبعين عامًا, وأصبحت السياسة الروسية أكثر برجماتية وتحررًا من القيود الأيديولوجية, بل والسياسية, وتحكم حركتها وتوجه دفتها المصالح, لاسيما الاقتصادية, ويعتبر الموقف الروسي من ثورات الربيع العربي انعكاسًا للتوجه الجديد في السياسة الروسية. ومن خلال تتبع المواقف الروسية, وتصريحات القادة المسئولين الروس, تتضح مجموعة من القواسم والتوجهات العامة التي تميز بها الموقف الروسي من الثورات العربية, أهمها: تفاوت الاهتمام الروسي بثورات الربيع العربي من دولة عربية لأخرى, وتميز مواقف موسكو من هذه الثورات بالتحفظ النسبي, والتأني الواضح الذي وصل حد البطء في رد الفعل. والتشديد على ضرورة نبذ العنف وأهمية الحل السياسي من خلال الحوار الوطني. وخلافًا للعهد السوفيتي الذي كانت فيه موسكو الداعم لكل الثورات وحركات التحرر الوطني في العالم, لم تعلن روسيا تأييدًا صريحًا للثورة والثوار في أي بلد عربي, ولكنها من ناحية أخرى أكدت صراحة على رفضها التدخل الخارجي في مسار الأحداث. وقد حكم الموقف الروسي تجاه الثورات العربية عدة عوامل واعتبارات؛ يأتي على رأسها المصالح الروسية, الأهمية الإستراتيجية للدولة العربية التي شهدت ثورات, إضافة إلى خبرة الداخل الروسي, التي تجعل موسكو متمسكة بمبدأ عدم التدخل في الشئون الداخلية للدول الأخرى, وأكثر حذرًا من المد الثوري داخلها, رغم أن قادتها نفوا هذا التخوف من جانبهم. كما لعبت مواقف القوى الإقليمية والدولية, وتداعيات الثورات على الاستقرار الإقليمي دورًا في تشكيل الموقف الروسي. ويمكن بلورة أهم تداعيات الموقف الروسي في إطار محورين أساسيين: أحدهما يتعلق بمسار الثورات العربية, الذي كان التأثير الروسي فيه محدودًا, والثاني يتعلق بمستقبل العلاقات الروسية العربية, فلا شك أن التطورات الجارية سوف تؤدي إلى بروز متغيرات إقليمية جديدة تمامًا. وبنهاية مرحلة التحول سوف يعاد تعريف الحلفاء, وكذلك الخصوم أو المنافسين؛ الأمر الذي سيؤثر حتمًا على السياسة الروسية وتحالفاتها.
|