المستخلص: |
لقد صاحب الانتعاش الاقتصادي لبلاد المغرب الأوسط خلال القرن الثامن الهجري/ الرابع عشر الميلادي في عهد الدولة الزيانية تطورا ثقافيا معرفيا تجلى في بزوغ العاصمة تلمسان كمركز إشعاع ثقافي وقطب علمي مستفيدة من ظاهرة التنافس الثقافي بين الأقطار، وكان السباق قائما بين بلدان المشرق والمغرب والأندلس وعواصمها المختلفة المهدية وبجاية وفاس، وتلمسان، وسبتة، وبغداد والقاهرة والمدينة المنورة، ومكة، وغيرها. وقد ساعد على هذا التنافس وعطائه الحضاري، ما كان يلتزم به حكام الدولة الزيانية من رعاية العلماء والأدباء والشعراء. فكانوا يغرونهم بالقدوم عليهم، ويجودون عليهم بالعطاء جودا حاتميا. وقد برز بهذا المظهر الحضاري دور جديد في الآداب المغربية يسميه أحد المؤرخين المعاصرين بالدور المدرسي، وهو دور تم وضع حجره الأساس في القرن الخامس الهجري. ودخل المغرب الأوسط هذا الدور بكل قوة ابتداء من القرن الثامن الهجري / الرابع عشر الميلادي، وإن جاء متأخرا نوعا ما مقارنة مع بلدان المشرق والمغرب، فشيدت المدارس الأنيقة والمساجد الخلابة والزوايا الرائعة المنظر تغنى بها الشعراء وأبهرت كل من شاهدها، حتى بلغ صداها مشارق الأرض ومغاربها، وتصدى للتدريس بهذه المؤسسات العلمية خيرة العلماء وأجلهم، فأصبحوا محل استقطاب أمراء وسلاطين ووزراء الدولة والطلبة من مختلف البقاع. ويبدو أنه بعد هذا الدور بدأت الدولة الزيانية تدخل في عداد الدول المعرية فعلا.
|