المستخلص: |
تتنوع التآليف التاريخية الأدبية بحسب المنطلقات المنهجية التي ينطلق منها المؤرخون، يمكن – مع ذلك – التمييز في هذه التآليف بين ثلاث مقاربات أساسية: المنظور القائم على القسمة إلى عصور سياسية، والمنظور الذي يعتمد القسمة إلى أغراض أو فنون، ثم المنظور الذي ينطلق من تصنيف المادة الأدبية إلى مدارس أو مذاهب أدبية. لكن يبقى المنهج الأول الذي يؤرخ للأدب اعتماداً على التحقيب السياسي هو الأكثر تداولاً، لذلك سنفرده بالدراسة والتحليل في هذا البحث. يقوم التحليل الذي نقدمه في هذا البحث على قسمين: نرصد في أولهما الأصول النظرية لهذا المنهج، كما ظهرت في أوروبا في القرن التاسع عشر. تتمثل هذه الأصول أساساً في نظريتين: "نظرية التقدم"، و"النظرية الفيلولوجية". تقوم نظرية التقدم على فكرتين: فكرة "الوحدة" التي تعني الإقرار بوجود قوانين واحدة تحكم المسار التاريخي للأمم والشعوب، بما يمكن أن يؤدي إلى وحدة التاريخ الإنساني. وفكرة "التقدم" التي مفادها أن الإنسان يسير – على مر العصور – إلى الأمام، نحو نمو متزايد باتجاه الكمال الإنساني. أما النظرية الفيلولوجية فكانت تبحث – في البداية – في أسرار اللغات، وتنظر إليها باعتبارها منتظمة في سلسلة مترابطة، وخاضعة لأنساق وقوانين معينة، تجسد بنسب متفاوتة الفكر البشري وتحاكيه. وقد شكلت هذه العناصر تأسيساً معرفياً لما يسمى المقاربة الفيلولوجية التاريخية، التي تجاوزت – فيما بعد – دائرة اللغة إلى مجال النقد الأدبي وتاريخ الأدب. إذن، لقد كان مبدأ التحقيب السياسي، والمقاربة الفيلولوجية للنصوص، أهم الدعائم التي قام عليها التحقيب السياسي لتاريخ الأدب. أغلب المؤلفات التي أرخت للآداب الأوروبية – في هذه الفترة – استوحت بشكل أو بآخر هذين المبدأين. وقد كان لهذا النوع من التحقيب تأثير كبير في التآليف التاريخية التي أرخت للأدب العربي. لقد ظهرت في هذا المجال – في البداية – التآليف الاستشراقية، ثم ظهرت – بعد ذلك – أعمال المؤرخين العرب، الذين تأثروا بالكتابات الاستشراقية في الموضوع. إذا أردنا البحث عن الإرهاصات الأولى لظهور تاريخ الأدب في الغرب، فسنجدها تعود إلى أواخر القرن الثامن عشر. وإذا حاولنا تحليل النسيج الثقافي العام الذي طبع التفكير الأوروبي في هذه الفترة، ورمنا الوقوف عند ملامحه الأساسية، تعين علينا أن ننتبه إلى أن جل المعارف قد سادها طيلة هذه الفترة منزعان، بهما تحددت الملامح الإبستمولوجية لمختلف العلوم: أولهما منزع الوعي بأثر التاريخ وفعله في صيرورة الإنسان، ثانيهما منزع البحث عن القوانين المتحكمة في الظواهر الطبيعية والإنسانية بشكل عام(1). وقد طبع هذان المنزعان مختلف المجالات والحقول المعرفية الطبيعية والإنسانية والفنية، وكان لهما تأثير ملحوظ في ظهور الاتجاهات الفلسفية الكبرى، بكل ما تحمله من ملامح "وضعية" و"تطورية" و"تجريبية"...إلخ. سيطول بنا الحديث، إذا حاولنا تتبع تجليات هذين المنزعين على مستوى الحقول المعرفية المختلفة(2). لكن، حسبنا أن نشير هنا إلى ما له علاقة مباشرة بموضوعنا. نشير هنا إلى جانبين: يتصل أولهما بـ"نظرية الوحدة والتقدم"، وثانيهما بـ"النظرية الفيلولوجية".
Writings on literary history vary according to the methodological starting-points which different historians adopt. Yet, one can distinguish between three different approaches: an approach based on a division in terms of political periods, another based on a division in terms of genres, and a third based on the categorization of literary works into schools and literary movements. This study is exclusively concerned with the examination and analysis of the first method-which relies on political period- isation in its historicizing of literature-given that it is the most commonly used of the above-mentioned types. This analysis falls under two main sections: the first section probes the theoretical origins of this method according to their emergence in Europe in the eighteenth and nineteenth centuries. These origins consist fundamentally in two theories: the ’theory of progress’ and the ’philological theory’. The theory of progress is predicated on two ideas: the idea of ’unity’, which has to do with the admission that there exist similar laws governing the historical process of all nations and peoples in a way that may lead to the unity of human history. The second idea is that of ’progress’, which presumes that man is ever advancing, in a growing development towards human perfection. Philology, on the other hand, is a theory concerned-at the beginning-with the secrets of languages, viewing them as being organized in a connected chain, and as being dependent on certain laws and systems that variously embody and imitate human thought. These factors constituted an epistemological beginning to what is labelled ’the historical-philological approach’, which later went beyond the sphere of language to embrace the field of literary criticism and literary theory. The principle of political priodisation and the philological approach to texts are thus the major founda¬tions on which the political periodisation of literary history rests. Most of the books that historicized European literatures-in this period-drew upon these two principles in one way or another. This kind of periodisation had a notable impact on the writings that attempted to historicize Arabic literature. The Orientalist writings were the first to appear, and then there appeared the works of the Arab historians who were influenced in this domain by Orientalist publications.
|