ارسل ملاحظاتك

ارسل ملاحظاتك لنا







المندائيون هل هم صابئة

المصدر: المجلة العلمية لكلية أصول الدين والدعوة بالزقازيق
الناشر: جامعة الأزهر - كلية أصول الدين والدعوة بالزقازيق
المؤلف الرئيسي: خطاب، محمد علي (مؤلف)
المجلد/العدد: ع 23
محكمة: نعم
الدولة: مصر
التاريخ الميلادي: 2011
الصفحات: 3073 - 3111
ISSN: 2357-0660
رقم MD: 472409
نوع المحتوى: بحوث ومقالات
قواعد المعلومات: IslamicInfo
مواضيع:
رابط المحتوى:
صورة الغلاف QR قانون

عدد مرات التحميل

99

حفظ في:
المستخلص: يتضح لنا مما سبق من تاريخ المندائيين وأصل نشأتهم واعتقادهم وأفكارهم، وأنواع الطقوس والعبادات عندهم، أنهم قوم تأثروا كثيرا بأفكار الأمم الذين ساكنوهم من أصحاب الأديان – السماوية وغير السماوية-، حتى أصبح دينهم خليطا يصعب تمييزه وتحديد معتقده الرئيس، ولذلك كان الإشكال في أمرهم كبيرا، وما يزيد صعوبة ذلك تكتم كهنتهم على ما يعتقدونه، فزاد هذا الوضع الأمر غموضا وتعقيدا. ومع هذا كله فإن لنا بعض النوافذ التي قد نستطيع من خلالها النظر إلى حقيقتهم وأصل دينهم، فهم ليسوا صابئة ولا فرقة من فرق الصابئة، واسم (الصابئة) غير معروف عندهم دينيا(101) ولم يذكر اسم الصابئة في ذلك الحشد الكبير من كتبهم المقدسة، وهم لا يعرفون (أنفسهم) باسم الصابئة بل يعرفون أنفسهم باسم (مندائي)، ويقولون بأن اسم الصابئة جاءنا من غيرنا، وأنهم عرفوا به أكثر من اسمهم الحقيقي(102) ولكنهم تأثروا بالصابئة كثيرا، وبخاصة مدة إقامتهم في مدينة حران، إذ أخذوا من أفكار ومعتقدات صابئة حران ما يكفي لإطلاق اسم الصابئة عليهم، وخصوصا الاعتقاد بالكواكب وعلم التنجيم، الذين اشتهروا بهما الصابئة على مر العصور، ولكن هذا لا يعني البتة أنهم صابئة، أو أنهم هم الذين ورد ذكرهم في القرآن الكريم، فهم تأثروا بالصابئة وأفكارها كما تأثر بهم الكثير؛ لأن الصابئة من أقدم الأمم تاريخا، وكان دينهم الغالب على أهل زمانهم. وبالتالي فهم على الأغلب فرقة من فرق اليهود الغنوصية؛ المارقة من اليهودية، ولهذا يجوز أن يطلق عليهم اسم الصابئة لغة، كونهم خرجوا من دين إلى آخر، والدليل على ذلك ما يأتي: 1- ذكر أهل التاريخ من المندائيين ومن غيرهم بأنهم كانوا من سكنة فلسطين في القدس الشريف ومن حولها، وأنهم آمنوا بالنبي يحيي بن زكريا عليهما السلام الذي يقولون عنه بأنه منا وبعث إلينا خاصة من دون الناس، ويؤكد كلامهم هذا ما جاء في كتبهم المقدسة(103)، والثابت من نسب يحيي عليه السلام أنه من بني إسرائيل وبلا خلاف، كما الثابت بأن الأنبياء عليهم السلام كانوا يبعثون إلى أقوامهم خاصة باستثناء سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم فهو بعث إلى الناس كافة، قال تعالى : {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ}(104)، وأما عن خصوصية بعثة الرسل عليهم السلام إلى أقوامهم، ما جاء من حديث جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي، ثم ذكر منها: وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة"(105). 2- ما جاء في كتابهم المقدس (ترسر ألف شيالة) – الإجابة عن اثني عشر ألف سؤال-، بأن كل من قبل التعميد وتعمد فإنه يخرج من (يهودوثة إلى منديوثة) أي يخرج من اليهودية إلى المندائية(106). 3- ما رواه المفسرون(107) عن أكثر السلف من أنهم طائفة من أهل الكتاب، فقد روى ذلك عن ابن عباس رضي الله عنهما، وأبي العالية، والربيع بن أنس، والسدي، وأبي الشعثاء، وجابر بن زيد، والضحاك، وإسحق بن راهويه وغيرهم خلق كثير. وأما من قال من السلف أنهم قوم يعبدون الملائكة؛ كقتادة، والحسن، والخليل، وأبي جعفر الرازي، فكلهم ذكروا أنهم قوم يعبدون الملائكة ويقرؤون الزبور، والزبور هو الكتاب الذي أنزل على سيدنا داود عليه السلام. وأما عبادتهم للملائكة؛ فلأنهم رأوا منهم ذلك، وقد مر بنا بداية هذا البحث. وأما ما روي عن بعض السلف كمجاهد، وعطاء، وابن أبي نجيح، وسعيد بن جبير، من أنهم "قوم تركب دينهم من الأديان ولا دين لهم" فذلك لمخالطتهم تلك الأديان، وكلهم ذكروا اليهود من ضمن تلك الأديان وهي: "المجوسية واليهودية والنصرانية" ولم يذكروا غيرها، وأما عن قولهم: "لا دين لهم" فلأنهم خالفوا كل هذه الأديان، فهم يكفرون اليهود والنصارى والمجوس كما مر معنا. 4- جاء عن العلماء المتقدمين من أهل الملل والنحل، كابن النديم (ت385 هـ) وسماهم (المغتسلة)، وقال الإمام البغدادي: "فأما المسمون بالصابئة من أهل واسط وحران، فما هم الصابئون المذكورون في القرآن"(108)، وكذلك قال الشهرستاني عن أهل واسط(109)، وواسط هي أحد محافظات العراق التي لا يزال يقطنها المندائيون إلى اليوم، وأما المعاصرين من الباحثين أمثال: الدكتور حسن ظاظا، والدكتور عرفان عبد الحميد، فقد عدوا المندائيين من فرق اليهود الغنوصية، ويشبهونهم بطائفة الأسينيين اليهودية الغنوصية، والتي اكتشفت مخطوطات لها في منتصف القرن الماضي، وقد أطلق عليها مخطوطات البحر الميت، لما بينهم من أوجه التشابه في الكثير من الملامح والاعتقادات(110). 5- المستشرقة الإنجليزية الليدي دراور التي عكفت على دراسة المندائيين حقبة من الزمن دراسة ميدانية، فإنها كثيرا ما تشبههم بالأسينيين(111)، كذلك المستشرق الفرنسي البروفيسور ميشيل تارديو، فهو ينفي نفيا قاطعا أن يكون للمندائيين أي صلة بالصابئة، ويفند أقوال المستشرقين الذين قالوا بذلك(112). وعلى هذا فإن المندائيين ليسوا صابئة ولا فرقة من فرق الصابئة، بل هم من فرق اليهود المارقة الخارجة عنها، فهم يكفرون اليهود، بل ويكفرون موسى وعيسى عليهما السلام، وهم لا يبغضون أمة من الأمم كبغضهم لليهود(113)، وهو أمر طبيعي جدا لما تعرضوا له من القتل والتشريد والإبادة الجماعية على أيديهم في فلسطين، وذلك بسبب إيمانهم بيحيي، وهذا ما حصل فعلا، إذ كان اليهود عبر تاريخهم متفرقين إلى فرق يقتل بعضهم بعضا ويكفر بعضهم بعضا، وهو ما حصل لطائفة الأسينيين، وكذلك مع من أمنوا بعيسى عليه السلام(114)، ولم يسلم نبي من أنبيائهم من شرهم كموسى وهارون عليهما السلام(115)، ولم يستقر اليهود عبر تاريخهم على عبادة الله وحده، يقول الدكتور أحمد شلبي: "لم يستطع بنو إسرائيل في أي فترة من فترات تاريخهم أن يستقروا على عبادة الله الواحد الذي دعا له الأنبياء، وكان من اتجاههم إلى التجسيم والتعدد والنفعية واضحا في جميع مراحل تاريخهم، وعلى الرغم من ارتباط وجودهم بإبراهيم إلا أن البدائية الدينية كانت طابعهم، وتعد كثرة أنبيائهم دليل تجدد الشرك فيهم، وبالتالي تجدد الحاجة إلى أنبياء يكررون الدعوة إلى التوحيد، وكانت هذه الدعوات قليلة الجدوى على أية حال، فظهروا للتاريخ بدائيين يعبدون الأرواح والأحجار، وأحيانا مقلدين يعبدون معبودات الأمم المجاورة التي كانت لها حضارة اليهود"(116). \

ISSN: 2357-0660

عناصر مشابهة