ارسل ملاحظاتك

ارسل ملاحظاتك لنا







مفهوم التعارف بين مقصدي الخلق و التشريع

المصدر: أعمال الندوة العلمية الدولية - مقاصد الشريعة والسياق الكوني المعاصر
الناشر: الرابطة المحمدية للعلماء
المؤلف الرئيسي: دخوش، كلثومة (مؤلف)
محكمة: نعم
الدولة: المغرب
التاريخ الميلادي: 2012
مكان انعقاد المؤتمر: الرباط
الهيئة المسؤولة: الرابطة المحمدية للعلماء
التاريخ الهجري: 1433
الشهر: يونيو - رجب
الصفحات: 173 - 196
رقم MD: 481504
نوع المحتوى: بحوث المؤتمرات
قواعد المعلومات: IslamicInfo
مواضيع:
رابط المحتوى:
صورة الغلاف QR قانون

عدد مرات التحميل

124

حفظ في:
المستخلص: مما سبق يتضح أن التعارف مطلوب شرعاً، وأنه قد يكون منه ما هو ضروري كما سبق عند الحديث عن علاقته بالكليات الخمس، وقد يكون منه ما هو حاجي عندما يتعلق بالعلاقات التي يقوم بها المسلم مع المسلمين ضمن تبادل المنافع من تجارة وصناعة وغيرهما، وقد يكون منه ما يتعلق بتبادل المعرفة في مجالات يشق على المسلم الاستغناء عنها مما سبقنا غير المسلمين إلى اكتشافه كما هو الحال بالنسبة، مثلاً، لوسائل الاتصال، ومجال البحث العلمي في ميدان الطب وسائر ما يدخل في باب الحكمة التي يطلب من المسلم المواظبة على طلبها ومحاولة الظفر بها. كما يمكن أن يكون التعارف من التحسينيات عندما يتعلق، مثلاً، بالتعرف على عادات الأمم في العيش، والاعتبار بأحوالهم، وتعرف عظمة الخالق من مخلوقاته وعظيم صنعه، والاطلاع على مختلف مكونات الحضارة من خلال السياحة المباحة التي أمرنا بها الله تعالى في نصوص كثيرة كقوله تعالى في غير ما آية (قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ). هذا، وإن لم يكن التعارف مقصودا لذاته، فهو من المقاصد التابعة، أو ما سماه بعض الدارسين بالمقاصد الوسائل، حيث قال: "تنقسم المقاصد باعتبار أنها غاية أو وسيلة لغاية أخرى إلى قسمين مقاصد غائية، ومقاصد هي وسائل: 1-المقاصد الغائية وهي التي تمثل غاية نهائية ليس بعدها غاية، وذلك كمعرفة الله تعالى، فهي غاية الخلق وتعلم التوحيد، ومثل دخول الجنة، فهي مقصد وغاية الخلق من التعبد لله رب العالمين بعد إجلاله وتعظيمه. 2-المقاصد الوسائل وهي التي تكون غاية لأمر وفي نفس الوقت وسيلة لغاية أخرى فتعلم العلوم الشرعية وسيلة لغاية ومقصد وهي معرفة الأحكام الشرعية، وهذه مع أنها غاية إلا أنها وسيلة لغاية وهي التعبد لله تعالى بهذه الأحكام الشرعية والتزامها، وإقامة الطاعات، وهي الأخرى غاية وفي نفس الوقت وسيلة لغاية أعلى وهي الحصول على رضا الله تعالى وثوابه والنظر إلى وجهه الكريم في الجنة. فاتضح أن المقاصد غايات ووسائل نسبية، فهي بالنسبة لما يوصل إليها غاية، وبالنسبة لما توصل إليه وسيلة( )". وإذا لم يتكرر في القرآن الكريم الأمر بالتعارف بشكل صريح، كما في سورة الحجرات، فقد عرفنا أن في الشريعة مجموعة من الأحكام كان التعارف علة لها، إضافة إلى أن ما كان من المقاصد داخلا في المعاملات التي للمكلف فيها مصلحة وميل فإن الله لم يوجبه بناء على أن النفس تشتهيه كما نبه إلى ذلك الشاطبي بقوله: "قد تحصل إذن أن الضروريات ضربان: أحدهما: ما كان للمكلف فيه حظ عاجل مقصود، كقيام الإنسان بمصالح نفسه وعياله، في الاقتيات، واتخاذ السكن، والمسكن واللباس، وما يلحق بها من المتممات، كالبيوع، والإجارات، والأنكحة، وغيرها من وجوه الاكتساب التي تقوم بها الهياكل الإنسانية. والثاني: ما ليس فيه حظ عاجل مقصود، كان من فروض الأعيان كالعبادات البدنية والمالية". ثم قال: فأما الأول: فلما كان للإنسان فيه حظ عاجل، وباعث من نفسه يستدعيه إلى طلب ما يحتاج إليه، وكان ذلك الداعي قويا جدا بحيث يحمله قهرا على ذلك، لم يؤكد عليه الطلب بالنسبة إلى نفسه، بل جعل الاحتراف والتكسب والنكاح على الجملة مطلوبا طلب الندب لا طلب الوجوب، بل كثيراً ما يأتي في معرض الإباحة، كقوله: (وأَحَلَّ اللَّهُ البَيْعَ) (البقرة: 275)". ثم قال عن الضرب الثاني: "مع أنا لو فرضنا أخذ الناس له كأخذ المندوب بحيث يسعهم جميعاً الترك لأثموا؛ لأن العالم لا يقوم إلا بالتدبير والاكتساب، فهذا من الشارع كالحوالة على ما في الجبلة من الداعي الباعث على الاكتساب، حتى إذا لم يكن فيه حظ أو جهة نازع طبعي أوجبه الشرع عينا أو كفاية، كما لو فرض هذا في نفقة الزوجات والأقارب، وما أشبه ذلك". ثم قسمه إلى قسمين، قال: "فالحاصل أن هذا الضرب قسمان: قسم يكون القيام بالمصالح فيه بغير واسطة، كقيامه بمصالح نفسه مباشرة. وقسم يكون القيام بالمصالح فيه بواسطة الحظ في الغير؛ كالقيام بوظائف الزوجات والأولاد، والاكتساب بما للغير فيه مصلحة، كالإجارات، والكراء، والتجارة، وسائر وجوه الصنائع والاكتسابات، فالجميع يطلب الإنسان بها حظه فيقوم بذلك حظ الغير، خدمة دائرة بين الخلق، كخدمة بعض أعضاء الإنسان بعضا حتى تحصل المصلحة للجميع. ويتأكد الطلب فيما فيه حظ الغير على طلب حظ النفس المباشر، وهذه حكمة بالغة، ولما كان النظر هكذا، وكانت جهة الداعي كالمتروكة إلى ما يقتضيه، وكان ما يناقض الداعي ليس له خادم، بل هو على الضد من ذلك أكدت جهة الكف هنا بالزجر والتأديب في الدنيا، والإبعاد بالنار في الآخرة؛ كالنهي عن قتل النفس والزني...( ). يلاحظ أن التعارف يدخل ضمن ما للمكلف فيه حظ عاجل، لما سبق بيانه، وهو يدخل ضمن القسم الثاني؛ لأنه يؤدي إلى تحقيق مصالح الإنسان بواسطة الغير، لنقص الإنسان وسعيه دائماً إلى تكميل نقصه بما عند الآخر، وفق سنة الله في الخلق التي اقتضت اختلاف الناس في المواهب والقدرات والطاقات، حتى يكون سعيهم دائماً ودؤوبا نحو التكامل في الأدوار، فكان التعارف مقصوداً من مقاصد الخلق والتشريع معا، والله تعالى أعلم.