520 |
|
|
|a يتضح انطلاقا مما سبق, أن إدارة الحماية نجحت بسياستها الأهلية في اختراق الأسر المغربية, وإحداث تحولات عميقة في بنية المجتمع الأهلي عبر اعتماد مجموعة من المداخل التي ستصبح أساسية في الممارسة الاستعمارية. ويعتبر التعليم الحقل الذي راهنت عليه الإقامة العامة وتحمس له شخصيا ليوطي معتقدا بقدرة المدرسة على احتواء العقول وترويض المغاربة, وهذا ما يبرر تطور التعليم في المدينة بعد 1914, بحيث قامت السلطات الفرنسية بهيكلته وفق رؤية مغايرة كليا لتلك التي كانت تتحكم فيه من قبل, وأقامته على أسس عرقية واجتماعية وأخرى سياسة, ودمجته فوق كل ذلك, في إطار الإستراتيجية التي كانت ترمي تحقيقها من خلال نظام الحماية ككل. وعرف التعليم مع تلك الهيكلة تطورا تجلي في ظهور مؤسسات تعليمية ابتدائية وثانوية ازداد الإقبال عليها مع مرور سنوات الحماية. وقد أدى التغير إلى إفراز مجموعة من النتائج كان لها أثر على تطور المجتمع المغربي ككل, سواء فترة الحماية أو بعدها. \ \ وتضاف السياسة الصحية على الآليات الاستعمارية, حيث ساهمت بشكل كبير في اخترق المجتمع التازي والوصول إلى الأهالي, واكتساب ثقتهم مما أحدث تغييرا في الاعتقادات السائدة لديهم والمتعلقة بانسلاخهم عن الممارسات التقليدية المعتمدة على الطب الشعبي الذي كشف عن محدوديته أمام جاذبية الطب العصري, خصوصا بعد معاينتهم تحسن الوضع الصحي جراء المجهود الذي بذلته إدارة الحماية للقضاء على العديد من الأمراض الوبائية التي كانت قبل مرحلة الحماية تحصد الكثير من الأرواح. ويمكن أن تثير هذه النقطة نقاشا حول إيجابيات السياسة الصحية كما هي حال السياسة التعليمية, والتي ستأتي حتما بجوابين: رأي يمجد التجربة الصحية, ويرجع لها الفضل في ما حققته مقارنة بالوضعية السابقة للاستعمار ورأي ثان يركز فقط على الجوانب السلبية ويرى أن فرنسا خدمت مصالحها من خلال سياستها الصحية دون مراعاة للجوانب الإنسانية التي يتطلبها التطبيب. \ \ وعرفت مرحلة الحماية تحولا في الحياة الاجتماعية للتازيين بخروج المرأة للعمل, وانهيار أوضاع شرائح اجتماعية عريضة, كـ ((الطبقة العاملة)) التي لم تعد قادرة بحكم دخلها الضعيف على مواجهة تكاليف المعيشة, الشيء الذي أدى إلى تفشي البطالة وانتشار حياة الفاقة والبؤس. واستكمالا لمخططاتها الرامية إلى اختراق المجتمع المغربي بكل مكوناته, عملت إدارة الحماية على إنشاء مرافق رياضية, وتشجيع تنظيم تسلية جماهيرية, سعيا لتكريس قيم دخيلة ونشر ثقافة غربية اعتبرت غريبة, لم يكن بالإمكان رفضها كليا, كما لم يكن الانخراط فيها نهائيا بسبب إستراتيجية مسبقة وبسبب التباعد بين مجتمعين مختلفي المرجعية الثقافة ودرجة التقدم \ \ لقد أصبح المشهد الحضري يعبر في صورته العامة عن الأعطاب التي كانت قبل قدوم الاستعمار, والتناقضات التي نتجت عن تطبيق السياسة الكولونيالية, وهو أمر سيعمق من آثار التحول, ويجعل المجتمع التازي ينحو في اتجاهات جديدة, وخصوصا مع حضور ميكانيزمات وآليات السياسة الأهلية, ومساهمتها في توجيه الذهنيات وخلخلة الهوية وخلق ثنائيات التقليدي/ العصري, و ((البلدي))/ ((الرومي)), لينكشف الامتزاج والالتقاء بين مكونات المجتمع التقليدي الأهلي ومكونات المجتمع الكولونيالي المهيمن. \
|