ارسل ملاحظاتك

ارسل ملاحظاتك لنا







الظرف القاهر المتطلب لثبوت النسب الناتج عن الخطبة : قراءة في ضوء العمل القضائي

المصدر: منشورات مجلة القضاء المدني - سلسلة دراسات وأبحاث
الناشر: زكرياء العماري
المؤلف الرئيسي: سعدون، أنس (مؤلف)
المجلد/العدد: ع 2
محكمة: نعم
الدولة: المغرب
التاريخ الميلادي: 2012
الصفحات: 49 - 78
ISSN: 2028–9081
رقم MD: 521003
نوع المحتوى: بحوث ومقالات
قواعد المعلومات: IslamicInfo
مواضيع:
رابط المحتوى:
صورة الغلاف QR قانون

عدد مرات التحميل

121

حفظ في:
المستخلص: إن الاعتراف بشرعية النسب الناتج عن الخطبة يعتبر من أهم المستجدات التي جاءت بها مدونة الأسرة استجابة للتحولات الهامة التي عرفها المجتمع المغربي والتي جعلت من هذا الموضوع يطرح بإلحاح لدى المحاكم، وهو توجه تشريعي محمود يجد سنده في عدة اعتبارات شرعية وواقعية، فالخطبة دخلت الإطار الشرعي عندما نص عليها القرآن الكريم لقوله تعالى: ﴿ ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء أو أكننتم في أنفسكم علم الله أنكم ستذكروهن ولكن لا تواعدهن سرا إلا أن تقولوا قولا معروفا﴾( ). كما أنها تجعل الخطيب يختص بخطيبته، وتختص هي به لقوله صلى الله عليه وسلم: ﴿ لا يخطب الرجل على خطبة أخيه حتى ينكح أو يترك﴾( ). ويتأكد هذا المعنى عندما يقع الاتصال الجنسي بين الخطيبين إذ يتعين والحالة هاته حملهما على إتمام إجراءات الزواج لما فيه مصلحة للطفل وللأسرة، فالشهامة والمروءة تحتمان على الإنسان أن يحافظ على وعده وأن يراعي شعور الآخرين وحرمة البيت الذي فتح له أبوابه، ولأنه عندما يظهر الحمل لا تبقى الخطبة أمرا منحصرا بين الخطيبين وإنما يتعلق بها حق طرف ثالث وهو الطفل الذي ينبغي في جميع الأحوال تحقيق مصلحته الفضلى في نسبه لأبيه. وإذا كان المشرع قد تطلب توافر شروط معينة للقول بإمكانية ثبوت النسب في فترة الخطبة فما ذلك إلا حرصا منه على حق الطفل في النسب من جهة، وعلى حق الأسرة والمجتمع، ولتمييز علاقات السفاح عن غيرها من العلاقات التي اشتهرت وتحقق فيها عنصر الإيجاب والقبول وظهر أطرافها مظهر الأزواج أمام المجتمع، وحالت ظروف قاهرة دون إبرام عقد الزواج في حينه. واشتراط الظرف القاهر في هذا النوع من الدعاوى هدفه التأكيد على ضرورة توثيق عقد الزواج بالشكل الذي يرتضيه القانون لما فيه مصلحة الأفراد والمجتمع على حد سواء، إذ أن المشرع وفي ظل توجهاته الحديثة جعل من عقد الزواج عقدا شكليا، ولن يقبل بالاعتراف إلا بعقود الزواج المبرمة وفق الشكل القانوني، وستصبح ما عدا ذلك من حالات الزواج غير الموثق لا تحظى بأي اعتراف قانوني بعد مرور الفترة الانتقالية المحددة لسماع دعوى ثبوت الزوجية، وبعد انتهاء أجل التمديد الذي وضعه المشرع، وسيصبح كل زوجين لم يحرصا على توثيق عقد زواجهما مجرد خطيبين في نظر القانون، وهو ما عبر عنه المشرع بشكل صريح في المادة السادسة من مدونة الأسرة التي نصت على ما يلي: « يعتبر الطرفان في فترة خطبة إلى حين الإشهاد على عقد الزواج ..». وهنا تكمن أهمية المادة 156 من المدونة التي وضعت أيضا لعلاج حالات الزواج غير الموثق حيث ستتيح لا محالة إعطاء النسب للأطفال المزدادين من هذه العلاقة متى تعذر على الآباء إثبات الزوجية بينهم. وقد حاولنا من خلال هذه المداخلة تسليط الضوء على الظرف القاهر كشرط من الشروط الواردة في المادة 156 من المدونة، وهكذا عملنا على تحديد مفهومه بعد تمييزه عن غيره من المصطلحات التي تلتبس به، كما سلطنا الضوء على كيفية إثبات توفر هذا الشرط أمام المحاكم، وكيفية تقديرها له، وذلك قبل رصد أهم صور الظرف القاهر الواردة في الملفات المعروضة على بعض أقسام قضاء الأسرة. والظرف القاهر تبعا للأمثلة الواردة في هذا البحث قد يكون ظرفا اقتصاديا يرتبط بالإمكانيات المادية لدى الخطيبين، أو اجتماعيا يتعلق بأسباب عائلية أو مجتمعية، أو إداريا مرده ضرورة الإدلاء بوثائق معينة، وفي جميع هذه الأحوال يمكن أن نصنفه إلى نوعين: فهو إما أن يكون ظرفا جديا أو غير جدي، وفي الغالب يكون عبارة عن ظرف غير جدي طالما أن حالة الاستثناء التي سبق التنصيص عليها في مدونة الأحوال الشخصية من الصعب أن تجد تطبيقها في الواقع العملي بسبب تقدم وسائل المواصلات التي تتيح لكل شخص يرغب في توثيق عقد الزواج إبرامه أمام العدلين المنتصبين للإشهاد. لذا فإدعاء أحد الخطيبين أن المانع من توثيق عقد الزواج مثلا هو عمل الزوج بالطريق السيار أو إهمال الخطيب للإجراءات الشكلية التي يتطلبها عقد الزواج، أو الظروف المرتبطة بمرض أحد أفراد العائلة، أو وجود مشاكل عائلية أو عدم توفره على الإمكانيات المادية... لا يعدو أن يكون مجرد أسباب غير جدية ليس من شانها الحيلولة في الواقع دون توثيق عقد الزواج، وبالرغم من ذلك يتساهل القضاء مع هذه القضايا خاصة في حالة إقرار الخطيبين بالحمل أو الولد، وتوفر بقية الشروط المتطلبة قانونا. وهو توجه يبقى مبررا لأنه يجد سنده في كون الشرع متشوف للحوق الأنساب، كما أن أقسام قضاء الأسرة تراعي في هذه الحالات المصلحة الفضلى للطفل والتي تقتضي أن ينسب لأبيه. مما يفرض في هذا الصدد التمييز بين الظرف القاهر في دعوى النسب الناتج عن الخطبة والسبب القاهر في دعوى ثبوت الزوجية. ففي الحالة الأولى نرى أن القضاء يجب أن يتساهل مع شرط الظرف القاهر، لأن المادة وضعت لحماية حق الطفل المزداد خلال فترة الخطبة في النسب، لا لحماية الخطيبين، فحتى إذا كان الظرف الذي يستند عليه أحد الطرفين غير جدي كما في حالة عدم توثيق عقد الزواج لإهمال الطرفين، فإنه يجب القول بلحوق النسب طالما توافرت بقية الشروط المتطلبة. أما في حالة دعوى ثبوت الزوجية فيجب تطبيق شرط السبب القاهر بنوع من الصرامة ولا سيما في الحالة التي لا يقدم فيها الزوجان على توثيق عقد الزواج تحايلا منهما على القانون وبغية التهرب من القيود التي ينظم بها العلاقات الزوجية، لأن نطاق هذه المادة أشمل من المادة 156 من مدونة الأسرة، فالأولى ترتب في حالة ثبوتها الزوجية وكل الآثار المترتبة عنها بما فيها ثبوت نسب الأبناء. على خلاف المادة 156 التي لا ترتب سوى ثبوت نسب الطفل لأبيه والآثار المترتبة عن ذلك. فحتى في حالة عدم الاستجابة للطلبات الرامية لثبوت الزوجية بسبب عدم إثبات جدية السبب القاهر فإنه يمكن للطرفين رفع دعوى ثبوت نسب الطفل في إطار المادة 156 من مدونة الأسرة حماية لحقه في النسب، ثم القيام لاحقا بتوثيق زواجهما حسب الإجراءات المتطلبة في القانون. \

ISSN: 2028–9081