ارسل ملاحظاتك

ارسل ملاحظاتك لنا







الفكر الإسلامي في العصر الوسيط من الغزالي إلى ابن تيمية

المصدر: مجلة أمة الإسلام العلمية
الناشر: شركة دار كاهل للدراسات والطباعة والنشر
المؤلف الرئيسي: الميلاد، زكي (مؤلف)
المجلد/العدد: ع 2
محكمة: نعم
الدولة: السودان
التاريخ الميلادي: 2009
التاريخ الهجري: 1430
الشهر: يوليو
الصفحات: 228 - 246
رقم MD: 521973
نوع المحتوى: بحوث ومقالات
اللغة: العربية
قواعد المعلومات: IslamicInfo
مواضيع:
رابط المحتوى:
صورة الغلاف QR قانون

عدد مرات التحميل

254

حفظ في:
المستخلص: والمرجعيات الرئيسية أو العامة التي عرفت بتسمية المذاهب أو المدارس، وظهرت في العصر الإسلامي الأول وقبل العصر الوسيط، تصنف إلى أربع مرجعيات، هي: 1. مرجعيات كلامية. مثل المعتزلة والأشاعرة والخوارج وغيرها. 2. مرجعيات أصولية. مثل مدرسة أهل الحديث وأهل الرأي. 3. مرجعيات فقهية. وهي المذاهب الإسلامية المعروفة التي تتسبب إلى مراجعها كالمذهب المالكي والحنفي والشافعي والحنبلي والجعفري الأمامي. 4. مرجعيات سلوكية. مثل المذاهب الصوفية باتجاهاتها، وحسب تصنيف "الغزالي" لها، طائفة الحلول، وطائفة الاتحاد، وطائفة الوصول( ). مؤسساً بما أصبح يعرف بطريقة المتأخرين في علم الكلام( )، "وهي الطريقة التي مكنت علم الكلام الأشعري من التحرر من منهج المعتزلة المفضل"( ) وفي نسق فكري آخر، يرى المؤرخ "ألبرت حوراني" في الدور الذي قام به "ابن تيمية" حيث اعتبر "صياغته للتراث الحنبلي ظلت عنصراً متميزاً في التراث الديني للمناطق الإسلامية المركزية"( ). و"الغزالي" و"ابن تيمية" هما من أكثر المفكرين تأثيراً وحضوراً في منظومات الفكر الإسلامي السني خلال العصر الوسيط، وحتى العصور اللاحقة. وبعض الذين درسوا الفكر الإسلامي في العصر الوسيط مثل "محمد أركون" وجده متقدماً في مناظراته الفكرية ومناقشاته الكلامية، عن الفكر الإسلامي المعاصر، الذي وصل حسب رأيه إلى وضع مترد، ويستشهد بالمناظرات المبدعة كما يصفها، كالتي كانت بين "الغزالي" و"ابن رشد". وذلك في كتابه الذي يتساءل في عنوانه "أين هو الفكر الإسلامي المعاصر؟ من فيصل التفرقة إلى فصل المقال"( ). الكتب الإسلامية( ). وهكذا هي الأوصاف التي تطلق على بعض مؤلفات "ابن رشد"، التي يعاد اكتشافها من جديد، وكأنها المؤلفات الأكثر حداثة في هذا العصر، ويعول عليها كما تصور ذلك أدبيات الفكر العربي المعاصر، إمكانية اكتشاف حداثة عربية مستقلة. كما اكتشف الغرب قبل ذلك عقلانيته بواسطة تلك المؤلفات. أما "ابن خلدون" (732- 808ه/ 1332- 1406م) الذي اشتهر بمقدمته، وأصبحت من أشهر المؤلفات التي استحوذت على أوسع اهتمامات المثقفين والباحثين العرب، حيث لا ينظر لها على أنها من مصنفات القرون السابقة من تراث الماضي.. ولعلها من أكثر المؤلفات التي تناولتها الرسائل والأطروحات الجامعية، وهو الحقل الذي يمثل في نظر النخب العربية بمعقل الحداثة. كما أن طبيعة العناصر المحركة للتطورات العامة في ذلك العصر تفرض اهتمامًا جادًا بدراسة الفكر الإسلامي آنذاك، ونوعية استجاباته وطرائق تعاملاته مع تلك التطورات، وتأثره منها أو تأثيره فيها. فقد مثلت تلك التطورات منعطفات تاريخية شديدة الحساسية والخطورة، تعلقت بها مصائر الأمة ومستقبلها. فالغزالي عاصر الحروب الصليبية سنة 490هـ/ 1095م. التي تعتبر أشدّ اصطدام حصل بين الديانتين الإسلامية والمسيحية من ناحية العقيدة، وبين العالمين الإسلامي والغربي من ناحية الجغرافيا. وهي الحروب التي ما يزال الفكر الغربي مسكوناً بذهنيه، ويعيد التذكير بها دائماً، ويعرف بها أجياله الجديدة المقاصد وأغراض توظيفية. وعاصر "ابن تيمية" الغزو المغولي سنة 656هـ/1260م، الحدث الذي يؤرخ له بسقوط ونهاية الحضارة الإسلامية، بعد سقوط وتدمير بغداد. يضاف إلى ذلك ما كانت تشهده المجتمعات الإسلامية من انقلابات وتمزقات وتصادمات. فالفكر الإسلامي الوسيط لا يمكن أن يدرس بعيداً عن هذه السياقات والوضعيات، التي من طبيعتها أن تترك تأثيراتها على مكونات وملامح ذلك العصر، وعلى الأفكار والمفاهيم التي تشكل فيه

العصور الوسطى تسمية أوروبية تعبر عن فترة ركود وظلام توسطت بين الحضارة الرومانية القديمة والنهضة الصناعية الحديثة. وهذه العصور المظلمة في أوروبا كانت عصور الازدهار والتمدن في العالم الإسلامي. لكننا نستطيع أن نطلق اسم العصر الوسيط على العصر التي تغيرت فيه اتجاهات العلوم والمعارف الإسلامية، وتحددت لها صياغات مختلفة عما كانت عليه قبل ذلك، وتكونت فيه مرجعيات فكرية تميزت بقدرتها على التأثير لقرون متمادية حتى عصرنا الراهن، ولابد من دراسة الفكر الإسلامي في هذا العصر الوسيط لمعرفة عناصره المؤثرة وأسباب حضوره المتواصل. والغزالي وابن تيمية هما من أكثر المفكرين تأثيراً وحضورا في منظومات الفكر السني خلال العصر الوسيط وحتى العصور اللاحقة. العصور الوسطى في تاريخ الثقافات والأفكار، يفترض أن تكتسب أهمية معرفية وتاريخية، لخصوصياتها في عمليات الربط والاتصال بين العصور الأولى والعصور الحديثة. وإذا كان قد اشتهر في تاريخ الثقافة الغربية مصطلح العصور الوسطى أو الوسيطة، التسمية التي تعني للغرب والتاريخ الغربي الكثير من الدلالات والإشارات والرموز، وهي العصور التي حظيت باهتمام الباحثين والمؤرخين هناك. وقد استطاع الفكر الغربي تجاوز تلك العصور التي وصفت دائماً في خطاباته بالعصور المظلمة لأوروبا. التجاوز الذي يعني القطيعة المعرفية عنها، حيث تطورت المعرفة في ظل سياقات ووضعيات مختلفة عن تلك العصور، وبالانتساب إلى ما سمي بالعصور الحديثة. والتجاوز أيضاً بمعنى تفكيك البني الفكرية وتحطيم مقولات الخطاب التي تمثلتها وعبرت عنها تلك العصور. وما يزال المؤرخون الأوربيون يرجعون إلى تلك العصور وتقليب النظر حولها من وقت لآخر، وقد توصل بعضهم لآراء تشذ عن الاتجاه العام في فهم تلك العصور، ومنهج النظر التاريخي لها، كالمؤرخ "سانت موس" الذي أعطى آراءه صفة القطع والجزم، حيث يرى بأن "من العبث أن ننكر أن القرون المعروفة باسم العصور المظلمة، لا تزال من أشد مراحل التاريخ الأوروبي غموضاً. ومع ذلك، فلا شك أن الجهود المبذولة في استجلاء كثير من المسائل الرئيسية قد أحرزت بعض التقدم. فإن بعض الآراء قد نبذ نبذا قطعيا..." ( ). ومن جملة الحقائق التي يبرهن بها على قناعته، إعادة النظر في فهم الاحتكاك الإسلامي بالغرب، وحسب نظره فإنه "لم يعد أحد ينظر إلى الهجوم الإسلامي من خلال أعين خصومة في القرون الوسطى، الذين ضرب تهديده لعقيدتهم على أبصارهم غشاوة، أعمتهم عن الأصل المشترك للثقافتين المسيحية والإسلامية. ذلك لأن الدراسة العميقة النقادة لفن ذلك الزمان وأدبه، أفضت في كثير من الحالات إلى ازدياد تقدير الإسلام"( ). في حين لم ينشأ أو يتبلور مصطلح أو تسمية العصر الوسيط أو العصور الوسطى في تاريخ الثقافة الإسلامية، ولعل من النادر استعمال تلك التسمية في دراسات المؤرخين المسلمين، وفي التحقيقات الزمنية والتاريخية للثقافة والأفكار الإسلامية. والتسمية السائدة عند المعاصرين لا تعبر في مكوناتها وعناصرها عن تاريخ الثقافة الإسلامية، وإنما هي مقتبسة بدلالاتها ورموزها من تاريخ الثقافة الغربية. لذلك فقد أصبحت التسمية جدلية وإشكالية عند البعض، وتوظيفية وتحريضية عند بعض آخر. جدلية بسبب التداول الواسع لتلك التسمية بالشكل الذي يصل أحياناً لدرجة التعميم، وكأن العصور الوسيطة التي كانت مظلمة في التاريخ الأوروبي تشمل تاريخ الأمم والحضارات والعالم برمته. والحال ليس كذلك على الإطلاق. فالعصور المظلمة في أوروبا هي عصور الازدهار والتمدن في العالم الإسلامي. وتوظيفه كما في رؤية الدكتور "محمد أركون" حيث يرى بأن الفكر الإسلامي لم يتخلص من عصوره الوسطى كما تخلص الفكر الأوربي وانتقل من الظلامية إلى التنوير. وفي حقل دراسات تاريخ تطور الفكر الإسلامي، لا نجد دراسات فكرية على قدر كبير من التخصص حول العصر الوسيط. وهو العصر الذي تغيرت فيه اتجاهات العلوم والمعارف الإسلامية وتحددت لها صياغات مختلفة عما كانت عليه قبل ذلك، ومرت بانتقالات حساسة للغاية، كما أنه العصر الذي تكونت فيه مرجعيات فكرية تميزت بتأثير فاعل ليس في ذلك العصر فحسب، بل احتفظت بديناميات فكرية مازالت نشطة في حياتنا الثقافية المعاصرة. ولعل من السهولة اكتشاف أن الخطابات الإسلامية المعاصرة تتأثر بصورة كبيرة بتلك المرجعيات الفكرية التي ترجع إليها وتأخذ منها وتستند إلى أصولها. وهذا ما حاول دراسته والبرهنة عليه الدكتور "محمد عمارة" في كتابه "تيارات الفكر الإسلامي" الذي أكد فيه على المدخل التاريخي في تكوين المعرفة بتلك التيارات الفكرية من جهة ارتباطها المرجعي بين المعاصر منها والقديم. لذلك من المهم دراسة الفكر الإسلامي في العصر الوسيط، لمعرفة كيف تشكلت تلك المرجعيات الفكرية، والعناصر المؤثرة في تكويناتها، وطبيعة البيئات التي نشأت فيها، ونوعية العوامل التي اكتسبها الدينامية والفاعلية، والحضور المتواصل بما يتجاوز حدود الزمان والمكان، ويتغلب على شروط الجغرافيا والتاريخ. هذه العوامل هي التي تضفي صفة المرجعية على الأفكار، وبالتأكيد هذا ليس ممكناً بسهولة، ولا يمكن أن يفسر بعوامل بسيطة، ولا بعوامل خارقة للعادة. وإنما القضية بحاجة إلى تكوين معرفة استدلالية، وبحث من منظور تاريخ تطور الأفكار في النسق الإسلامي. والمرجعيات الفكرية إذا نظرنا لها كحقل معرفي، فإن هذا الحقل لا يعد جديداً في الدراسات الفكرية والتاريخية المعاصرة، فقد كان معروفاً منذ وقت مبكر عند المسلمين، وهو الحقل الذي عرف بدراسة الفرق والملل والنحل، ويعرف حالياً بدراسة المذاهب والتيارات. مع الالتفات إلى مفارقات أساسية بين حقل الملل والنحل، وما نقصده بالمرجعيات الفكرية في العصر الوسيط تحديداً، وهي المفارقات التي سوف تتضح تجلياتها في سياق البحث.