المستخلص: |
أن مستقبل هذه المجتمعات متوقف إلى حد بعيد على مدى قدرة الطبقات الوسطى فيها على أن تكون شريكاً فاعلاً في العملية التنموية وذاك مرتبط بحصول طفرة في مستوى وعيها تنقلها من مرقع الزبون المستهلك إلى موقع المبادر والحامل لمشروع مجتمعي وذاك لا يتحقق إلا عندما تصبح قضايا التعليم والصحة والسكن والشغل شأنا مجتمعيا لا مجرد قطاعات توظف لخدمة مشروع سياسي نخبوي، فإذا عدنا، في ضوء هذه الملاحظات، إلى مجالات الإخفاق في المجتمعات العربية أي السياسة والتعليم والملكية أمكن القول إن الدولة، في ظل واقع العولمة، ستفقد كل سيطرة على مجالها وبالتالي ستفقد مختلف السياسات ذات الأبعاد التنموية في الشغل والسكن والتعليم والتجهيز كل معنى لأن ارتباطها بقوى خارجية سيعدم كل تخطيط أو برمجة مستقبلية: نستطيع الإعداد والتكهن بمستقبلنا إذا كنا نسيطر على حاضرنا ونمتلك المعطيات التي تساعدنا على فهمه وتغييره ، وهذا أمر يضحى مستحيلا في عالم لم يعد فيه من سيطرة للدولة القطرية على فضائها. هذا الواقع الجديد يجر إلى تحولات خطيرة ستكون لها أسوأ الانعكاسات على " الديمقراطيات" في مجتمعاتنا العربية لأن الحركات الاجتماعية والسياسية فيها لا يمكن أن تقوم وتتشكل إلا إذا كان لها خصم في الداخل تتحد إزاءه وتحدد استراتيجيات الصراع معه. بالتوازي مع هذا الواقع السياسي الجديد يتشكل واقع مجتمعي آخر في ظل تدهور أوضاع الفئات الاجتماعية التي تحملت وزر معركة التحرير ولم تغنم من الاستقلال ما وعدتها به الدولة الوطنية في خصوص ملكية الأرض. إن اعتماد حياة هذه الفئات على الدخل الفلاحي وانخراط جزء كبير منها في ممارسة الفلاحة السقوية قد عمق لديها أوضاع الفقر والتهميش بعد الارتفاع المذهل في أسعار المحروقات خصوصا وأنها هي التي ساهمت أكثر من غيرها في تسديد فاتورته بحكم أنها تستخدم تلك الطاقة في الإنتاج الفلاحي السقوى ثم إنها غير منتظمة في هياكل يمكن أن تحميها أو تدفع عنها. قد تزحف فئات الشباب العاطل عن العمل واليائس من الانخراط في منظومة المجتمع الريفي باتجاه المدن بحثاً عن الحلول، لكن أنى لمدن تئن هي بدورها تحت وطأة هذه الأزمة ؟، إلى أي مدى يمكن أن تشكل هذه الفئات قوى فاعلة في عملية التنمية ؟، بل عن أي تنمية نتحدث أصلا إذا كانت هذه المجتمعات لا تحدد مصيرها بنفسها ؟. المنظومة التعليمية بدورها لم تكن بمنجى من انعكاسات هذا الواقع الآخذ في التشكل لأن محدودية سوق الشغل أفقدت الشهادة العلمية قيمتها وأفضت إلى تشكيل رأي عام شبابي مكون من الفاشلين اجتماعيا والمحبطين الذين أنتجوا ثقافتهم الخاصة ليس غريبا أن يرتمي بعض من هذه الشريحة بين أحضان المخدرات ويتخذ من بلدان أوروبا وأمريكا وجهة له حتى أن أكثره يقضي نحبه قبل أن ينجز مشروع "الحرقة" فتبتلعه مياه البحر لتدفن معه أحلام عريضة وآمال لا حدود لها. لا نجانب الصواب إذا رأينا في هذه القوى الشبابية المهمشة قوى تدمير لحياة المجتمع لأنها قوى باحثة عن آليات جديدة للاندماج في واقع لفظها. فهي لا يمكن أن تتحول إلى قوى للتغيير إلا إذا انخرطت في مشروع تنموي يكفل لها المصالحة مع بيئتها ومحيطها الحضاري وهذا ما لم يتحقق بعد وليس ثمة ما ينبئ بتحققه، على الأقل، على المدى القصير. إن تركيزنا على المؤسسة السياسية ومسألة الملكية والتعليم كمجالات لفهم إخفاق الدمقرطة في مجتمعاتنا العربية يحمل في طياته إشارة لا تخلو من أهمية ألا وهي ضرورة أن يتوجه البحث في العلوم الإنسانية إلى هذه المجالات لفهم المعوقات الحقيقية للتنمية قصد إيجاد سبل تجاوزها. ينبغي أن تستمد الحلول من دراسات أمبيريقية للواقع لا من تعلق بتصورات طوباوية تقفز على الواقع وتركب عليه تركيبا.
|