المستخلص: |
استهدفت هذه الدراسة بناء أنموذج إسلامي للتربية السياسية الإسلامية المعاصرة. ولتحقيق هذا الهدف استخدم الباحث أسلوب المنهج الوصفي التحليلي في جمع المعلومات وتحليل محتوياتها, من خلال الاستنباط والاستقراء والمقارنة, للتوصل إلى بناء الأنموذج. وتحددت مشكلة البحث في طرح عدة أسئلة حول مرتكزات التربية السياسية عند أهل السنة والجماعة, وكذلك عند الشيعة الإمامية, ثم المقارنة بينهما وتحديد أوجه الشبه والاختلاف بين الطرفين. ومن خلال ذلك بناء أنموذج معاصر للفكر التربوي السياسي الإسلامي. وقد توصلت الدراسة إلى مجموعة من الإستنتاجات , منها : أن الصراع المذهبي, وخاصة بين مذاهب أهل السنة والجماعة وبين مذهب الشيعة الإمامية يعتبر من أبرز التحديات التي تواجه المجتمعات الإسلامية , وخاصة تلك التي يقطنها السنة والشيعة معاً, وأن لهذا الصراع جوانب سلبية كثيرة على الناشئين , وعلى مختلف جوانب العملية التربوية . وبينت الدراسة عدم وجود خلاف بين السنة وبين الشيعة في الأصول الأساسية للإسلام وأركانه , فهم جميعاً يؤمنون بوحدة الخالق سبحانه وتعالى ونبوة محمد وبالقرآن الكريم دون زيادة أو نقصان وبأركان الإسلام الصلاة, والزكاة, والصوم, والحج, والبعث , والجنة والنار, والقبلة الواحدة للمسلمين, والسنة النبوية الشريفة . وأما الخلافات بينهما فهي خلافات فقهيه اجتهادية, في الفروع وليست في الأصول, وهي كأي خلاف بين أتباع المذهب الواحد, وقد كانت ولا تزال لأسباب سياسية في الدرجة الأولى, وتركزت بصورة أساسية حول أحقية الشخص الذي كان يجب أن تؤول إليه الخلافة أو الإمامة بعد وفاة الرسول (ص) . وأشارت الدراسة إلى انه, ونظرا لأهمية وخطورة العامل السياسي, ومدى تأثيره في الانقسامات الملحوظة بين أبناء الأمة الإسلامية الواحدة , تبرز الحاجة لبلورة نظرية سياسية إسلامية شاملة, ترتكز على القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة المؤكدة. وكذلك بناء علم سياسة إسلامي يرتكز على مجموعة من الضرورات وحاجات الأمة, بحيث يتجاوز الجانب النظري إلى مجال التطبيق العملي, محاولاً وصف واقع الأمة الإسلامية وتحليله وتفسيره وأخيرا تقويمه. وعلى هذا الأساس تبدو الحاجة ماسة لبلورة خطاب تربوي سياسي إسلامي معاصر, يتضمن القيم الإسلامية الشاملة ويعكس القواسم المشتركة بين السنة والشيعة الإمامية حول أساسيات الدين الإسلامي وجوهره, والتوافق الكبير حول المرتكزات الرئيسة التي يقوم عليها الفكر السياسي الإسلامي, كالعدل والمساواة والشورى والديمقراطية, والحريات العامة والسياسية, وحقوق الإنسان وحقوق المرأة, وغيرها . وانطلاقا من ذلك تبرز أهمية التربية السياسية في العالم الإسلامي, وضرورة إعطائها الدور المناط بها, باعتبارها عملية تكوين وتنمية لشخصية الناشئ, ليكون شخصية ذات بعد ثقافي وسياسي عالمي, متحررا من التعصب المذهبي ومنفتحا على الآخر, ذلك أن شخصية الإنسان المسلم هي بطبيعتها شخصية سياسية رسالية عالمية تنسجم مع طبيعة الدين الإسلامي العالمية. ومن خلال مقارنة مرتكزات التربية السياسية عند السنة وعند الشيعة الإمامية تبين عدم وجود أية اختلافات جوهرية في المرتكزات التي يقوم عليها الفكر التربوي السياسي عند الجانبين, وذلك لأنهما ينهلان من مصدر واحد هو القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة.
وقد استهدف مشروع أنموذج التربية السياسية الإسلامية المعاصرة المقترح , ترسيخ القواسم المشتركة, ونقاط الالتقاء والتقارب بين أتباع المذهبين السنة والشيعة, وجمع المسلمين على فهم واضح للإسلام, وكذلك مواجهة التحديات التي تواجه الفكر الإسلامي المعاصر, من خلال تبني مواقف فكرية وسياسية واضحة, تتضمن حلولاً واضحة أيضاً. مستندتاً على القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة , والخبرة التاريخية المستقاة من عهد الخلفاء الراشدين, وكذلك آراء أئمة المذاهب الكبار المتفق عليهم عند أتباع هذه المذاهب . ومن أبرز هذه التحديات المعاصرة قضايا الشورى والديمقراطية, والحريات العامة والسياسية, والتعددية السياسية, وتداول السلطة وقضايا المرأة وحقوق الإنسان وكذلك مختلف الجوانب المتعلقة بالدولة والسيادة والحاكمية, وسائر المفاهيم السياسية الأخرى. وقد عكس الأنموذج التوافق الواسع بين معظم الفقهاء والمفكرين المعاصرين, من السنة والشيعة الإمامية, حول مختلف قضايا الفكر الإسلامي المعاصر, بحيث يمكن القول أن معظم الخلافات التي كانت تدور بينهما حول قضايا الخلافة والإمامة قد أصبحت من الماضي وفي ذمة التاريخ, ولم يعد هناك أي مبرر لإعادة طرحها حيث لم تعد تعني الإنسان المسلم بشيء, وما يهمنا في عصرنا الحالي هو مواجهة التحديات المتعددة التي تواجه الإنسان المسلم والعالم الإسلامي, وهو ما يتفق عليه معظم فقهاء ومفكري السنة والشيعة. وقد اختتمت الدراسة بعدد من التوصيات والاقتراحات, لتجاوز الصراعات المذهبية والتقريب بين أتباع المذاهب الإسلامية انطلاقا من المؤسسة التربوية وذلك من خلال تنقية المناهج الدراسية من كافة الشوائب والنزعات التكفيرية, وإعادة صياغة مناهج التاريخ الإسلامي, والتربية الدينية, لبناء وحدة الفكر وتربية الأجيال على احترام الاختلاف والتعددية المذهبية والسياسية ضمن إطار الوحدة الإسلامية. وكذلك ضرورة فتح باب الاجتهاد المؤسسي, وضرورة استثمار المنابر الإعلامية لتحقيق التواصل وتوطيده بين أبناء الأمة الإسلامية, وكذلك دعم وترسيخ مؤسسات المجتمع المدني في الدولة الإسلامية للقيام بدورها في ردم الفجوة بين أتباع المذاهب الإسلامية, وتعزيز وتعميق مفهوم التسامح بين أبناء الأمة الإسلامية.
|