المستخلص: |
الإنسان هو محور القانون الجنائي سواء أكان جانياً أم مجنياً عليه (ضحية), وبتطور هذا القانون فقد أحاط الجاني بسياج من الحقوق التي تضمن له محاكمة عادلة وتنفيذاً للعقوبة لصون كرامته وآدميته، في حين أن هذا القانون قد أغفل حق المجني عليه في الحصول على إجراءات سريعة تمكنه من اقتضاء حقه في التعويض الجابر للضرر الذي لحقه من الجريمة, في الوقت الذي يقر فيه هذا القانون بأن الإنسان هو الذي يصلح – وحده دون غيره من الكائنات – ان يكون مجنياً عليه في الجريمة . ولما كان ذلك هو وضع الجاني, فإنه ومن جانب آخر ضنَّ المشرع الجنائي – في كثير من الدول – على المجني عليه ( ضحية الجريمة ) بأبسط حقوقه في الحصول على حقه أمام الضابطة العدلية في التحقيق الأولي والنيابة العامة في التحقيق الابتدائي وأمام المحاكم الجنائية في مرحلة التحقيق النهائي، فكثير من المحاكم العسكرية تحرم المجني عليه من الدخول في الدعوى الجنائية، وكثير من المحاكم الجنائية العادية تحرم المجني عليه من الاضطلاع بدور فاعل في إجراءات التقاضي، وبعض جهات التحقيق الابتدائي لا تسمع للمجني عليه إلا كشاهد في الجريمة . هذا وقد ظل ضحايا الجرائم الجنائية ردحا طويلا من الزمن نسيا منسيا, نظراً لتسليط الأضواء على حقوق المتهم من قبل المدارس الفقهية العديدة، التي ركزت جل اهتمامها عليه، وبسبب مناصرة الفلاسفة وحركات الدفاع عن حقوق الإنسان له، فقد شاءت إرداة الخالق عز وجل أن تتجه أنظار الفقه والمؤتمرات الدولية ومنظمات الدفاع عن حقوق الإنسان والمواثيق الدولية العالمية والإقليمية والتشريعات الوطنية صوب ضحايا الجرائم الجنائية لأجل تكريس حقوقهم وحمايتها. ولقد شهدت الحقبة الماضية بروز حركة فكرية بين فقهاء القانون الجنائي, حيث كرست هذه الحركة جهدها لدراسة مشكلة المجني عليه من جميع جوانبها إلى الحد الذي برز معه علم جديد في نطاق الفقه الجنائي, يطلق عليه " علم المجني عليه "Victimology" وقد نجح هؤلاء الفقهاء – من خلال المؤتمرات والجمعيات العلمية – في طرح الموضوع على بساط البحث.
وحيث أن حق الضحية يبدأ منذ وقوع الجريمة، لذلك يجب العمل على كفالة هذا الحق له منذ أن تقع عليه الجريمة وبخاصة إذا كان مرتكب الجريمة أحد أفراد السلطة العامة, إذ يكون تحت يده أدلتها ويمكنه التلاعب فيها كيفما يشاء على سلطته. ومن هنا كان لزاماً على الفقه الجنائي الحديث, أن يعيد النظر في المركز القانوني للمجني عليه في النظرية العامة للجريمة والعقاب، وأن يتجه نحو الموازنة بين حقوق كل من الجاني والمجني عليه بحيث لا يطغى أحدهما على الآخر، وحق المجني عليه بعدم الإساءة إليه من قبل أجهزة العدالة الجنائية، وإذا ما تعرض لمثل هذه الإساءة فإن له الحق بالتعويض العادل وفي هذا الاتجاه تأتي هذه الدراسة, لتبين بأن الإجراءات الجنائية ليست أمراً خاصاً بالدولة، على أساس أن المصلحة العامة هي محل الحماية الجنائية، ومما لا بد منه هو الاهتمام بالمجني عليه في الجرائم التي تشكل اعتداء على مصلحة فرد من أفراد المجتمع، وأساس ذلك أنه في مثل هذا النوع من الجرائم، فإن المجني عليه أو ذويه هم الذين يتحملون بطريق مباشر الآثار الضارة للفعل الإجرامي والتي قد تدوم مدى الحياة. ومن ثم فإنه إذا كان من مصلحة المجتمع – وهذه حقيقة مؤكدة – أن يُعاقَب المسؤولون عن الأفعال الإجرامية وأن يستعاد النظام العام الذي أهدرته الجريمة، فإن للمجني عليه وذويه أيضاً حاجة طبيعية ومشروعة في أن تشفى صدورهم بتوقيع القصاص على المجرم وفي أن يحصلوا على تعويض عن الأضرار التي أصابتهم. هذا وقد تناولت الدراسة, والتي حملت عنوان: ((دور أجهزة العدالة الجنائية في حماية حقوق ضحايا الجريمة (دراسة مقارنة ما بين القوانين الوضعية والشريعة الإسلامية))), الحماية الجنائية لضحايا الجريمة في أربعة فصول دراسية, تناول الباحث في الفصل الأول الإجراءات الوقائية لأجهزة العدالة الجنائية في حماية حقوق ضحايا الجريمة وبيّن فيها التعريف بأجهزة العدالة الجنائية والوقاية في المجالين الاجتماعي والاقتصادي والوقاية أيضاً في المجال التشريعي والأمني, ثم تناول الباحث الفصل الثاني وتركزت دراسته فيه, على حماية الضحايا في مرحلة التحقيق الأولي, ابتداءً بلحظة الشكوى ودخول ساحة المركز الأمني والتحقيق معهم وحقهم في الاستعانة القانونية وحمايتهم من الإساءة والتعسف في استخدام السلطة والمسؤولية المدنية والتأديبية التي تترتب على أفراد الضابطة العدلية في حال تجاوزهم لاستخدام السلطة, وما يترتب على هذه الإجراءات من بطلان, نظراً لمخالفتها القانون. أما الفصل الثالث فقد تناول فيه الباحث مرحلة التحقيق الابتدائي ودور النيابة العامة في حماية حقوق ضحايا الجريمة أثناء هذه المرحلة وحقهم في الطعن في الأوامر والقرارات الصادرة من المدعين العامين, إذا كانت هذه القرارات لا تحقق الحماية الجنائية لمصالحهم. أما الفصل الرابع والأخير فقد أفرده الباحث لدور القضاء في حماية حقوق ضحايا الجريمة حيث ركز على حقوق ضحايا الجريمة في الادعاء بالحق الشخصي وحقوقهم أيضاً بالادعاء المباشر والطعن بالأحكام الصادرة من الجهات القضائية إذا كانت هذه الأحكام لا تخدم حقوقهم. وفي نهاية البحث توصل الباحث إلى مجموعة من النتائج, كان أهمها, أن التشريعات الأردنية لم تحقق التوازن المطلوب في حماية حقوق ضحايا الجريمة أثناء مرحلة تنفيذ القانون, مقارنة بما حققته من مزايا للجاني, كما تبين أيضاً بأنه كلما انعدمت أجهزة الرقابة على أجهزة العدالة الجنائية سواء أكانت رقابة برلمانية أم قانونية أم شعبية, كلما ازدادت إساءة استخدام السلطة من قبل تلك الأجهزة, وبنفس الوقت فقد هؤلاء حقوقهم وضعفت المطالبة بها. وبناءً على هذه النتائج أورد الباحث مجموعة من الاقتراحات والتوصيات, منها ما يتعلق بالجانب التشريعي ومنها ما يتعلق بالجانب الشرطي وتوصيات عامة أخرى لتسهم جميعها في إيجاد الحلول المناسبة لمشكلة الدراسة التي أوردها في بداية بحثه.
|