520 |
|
|
|a أن المثقف العربي لم يتخذ موقفاً واحداً من الثورات التي تجتاح كثيراً من مناطق الأمة العربية اليوم, مطالبة بالإصلاح والتغيير والتنمية وتحسين الأوضاع في مختلف المجالات الحياتية, بل إن منها ثورات رفعت سقف مطالبها إلى المناداة بإسقاط الأنظمة الحاكمة فيها, وقد نجح بعضها في ذلك, وأقصد هنا حالتي تونس ومصر, ولكنها لم ترفع ذلك في بداية تحركها, بل طالبت بذلك بعد تعنت تلك الأنظمة, وتهربها, وعدم تجاوبها إيجاباً مع المتظاهرين سلمياً بأن تستجيب لمطالبهم العادلة في الحرية والكرامة والانتقال إلى مجتمع الديمقراطية والحقوق, ولجوئها – بالمقابل – إلى استخدام لغة العنف الذي أدى إلى سقوط المئات من الضحايا, فضلاً عن الآلاف من الجرحى والمشردين. ونرى, في ختام هذا المقال, أن تلك الثورات – رغم هذا الحجم الكبير من الخسائر في الأرواح كما في المنشآت – قد فتحت عهداً جديداً في الأمة العربية, وأبانت عن وجود جيل جديد من أبنائها تواق إلى الكرامة, وإلى أن تتبوأ أمته مكانة أسنى بين الأمم, وإلى أن يعيش في مجتمع يقطع مع أساليب الماضي القمعية والاستبدادية, وينتقل إلى الديمقراطية ودولة الحق والقانون. وإن المطالبة بالتغيير والإصلاح أمر مشروع, بل واجب, طالما أن هناك أوضاعاً غير طبيعية, وأموراً منكرة, وظواهر غير مقبولة, واختلالات في شتى الميادين. ومصداق ذلك, في شريعتنا السمحة, قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث المشهور: "من رأى منكم منكراً فليغيره بيده, فإن لم يستطع فبلسانه, فإن لم يستطع فبقلبه". (صحيح مسلم) ولما كان المثقف من صفوة ذلك المجتمع كان لزاماً عليه أن ينحاز إلى جانب الحق والمظلوم, وأن يعلن تأييده لأي مطالب إصلاحية طالما أنها تبتغي القضاء على الفساد والاحتكار والاستبداد, وتصحيح أوضاع منكرة ومختلفة, وتحقيق العدالة والنماء, والإسهام في بناء الدولة الحديثة, دولة المؤسسات والقانون والديمقراطية. ولا يكفي أن يكون هذا المثقف, في عديد من البلدان التي لم يتحقق فيها بعد الانتقال الديمقراطي, فاعلاً في مرحلتي ما قبل الثورة وأثناءها, بل يتعين أن يستمر دوره الطلائعي ذاك إلى ما بعد الثورة في حال نجاحها؛ كما في تونس مثلاً, وذلك عن طريق الإسهام في استتباب الأمن, ونزع فتيل الفتنة بين أبناء الوطن الواحد, لاسيما إذا كان طائفياً, وإرساء دولة جديدة على أسس متينة في مختلف المجالات تكون أقدر على مجابهة التحديات, وقطع الطريق أمام بعض العناصر المخربة التي لا يهمها أمر استقرار وطنها وتنميته, وتكون, في الغالب, من انصار النظام الذي أسقطته ثورة شبابه, او من المفسدين ذوي النيات السيئة. فالواقع أن في كثير من المجتمعات العربية التي تشهد حركات احتجاج وثورات اليوم مجموعات مما ذكرت "لا يردعها خوف من الله تعالى, ولا مروءة أهل الفضل. وهي بالتأكيد مجموعات في غاية التربص والانتظار لأي انفلات أو فوضى لتهجم, كالسباع الضارية, على غيرها سرقة, وسفكاً للدماء, وهتكاً للأعراض المحرمة, وانتقاماً لثارات قديمة. فإذا انفلت الأمن انفتحت الأبواب الواسعة لهؤلاء المفسدين في الأرض لتحقيق مآربهم الإجرامية. وكثير ممن يطلب التغيير لا يريد هذا قطعا, لكنه لا يتفطن إلى أن التغيير المتعجرف يمكن أن يفتح الباب لهؤلاء المفسدين
|