المصدر: | مجلة المنبر |
---|---|
الناشر: | هيئة علماء السودان |
المؤلف الرئيسي: | حسنة، عمر عبيد (مؤلف) |
المجلد/العدد: | ع8 |
محكمة: | نعم |
الدولة: |
السودان |
التاريخ الميلادي: |
2009
|
التاريخ الهجري: | 1430 |
الشهر: | مارس |
الصفحات: | 215 - 250 |
ISSN: |
1858-6457 |
رقم MD: | 609564 |
نوع المحتوى: | بحوث ومقالات |
اللغة: | العربية |
قواعد المعلومات: | IslamicInfo |
مواضيع: | |
رابط المحتوى: |
المستخلص: |
ونحب أن نعاود التأكيد أن ظاهرة العنف والتطرف ظاهرة مركبة معقدة تتداخل فيها عدة أسباب – كما أسلفنا – فالعنف الفردي قد يرد إلى سبب واحد على الأغلب أو أكثر، لكن عندما تصل الإشكالية إلى مستوي الظاهرة فردها إلى سبب واحد فيه الكثير من السذاجة والتبسيط والتهوين، الذي لا يقل عن التوهم والسذاجة بأن حسمها واقتلاعها يمكن أن يتحقق بالحل الواحد الأمني، أو بالعلاج الأمني، وعندها يصبح حالنا كالمستجير من الرمضاء بالنار. وخلاصة الرأي في تقديرنا أن من الأسباب الرئيسية لنشوء الظاهرة ونموها وتداعياتها: الاستئثار بالسلطة، والاستئثار بالثورة، إيجاد التغطية الشرعية أو الدينية، وما يفرزه ذلك وسيتتبعه من الممارسات التي قد تستقل بذاتها فتصبح أسبابا تزيد الظاهرة تعقيداً وتجذراً وخطورة، وتساهم بتكبيرها وتوسيع نطاقها وامتداد آثارها كدحرجة كرة الثلج. ولعلنا نقول: بأن الاستبداد بالسلطة يستدعي أو يولد أو يقتضي الاستئثار بالثورة، فالاستبداد السياسي يورث القمع والقهر، والإقصاء، والتأله، والجبروت، والطغيان، وإشاعة الخوف والرعب، والإلغاء لإنسانية الإنسان، والهدر لكرامته، وتعطيل ملكاته، ومطاردته، وكبته، وحرمانه، من التفكير الحر وممارسة التفكير، وانسداد أقنينة التعبير، والحرمان من المشاركة بالرأي، واعتماد القوة بدل الحجة وتقديم أهل الثقة والولاء للحاكم وحواشيه على أصحاب الخبرة والمعرفة واتساع هواجس الخوف، بسبب التجسس على تصرفات الناس وأفكارهم وما يتولد عن ذلك من ممارسات الثأر وتصفية الحسابات والكبر والتعالي وتعويض مركب النقص وتغطية الفشل في الحياة الجادة. وغالباً ما يستقطب الاستبداد السياسي نوعيات الفاشلين الذين يجدون عنده بغيتهم، حتي ليمكن القول: بأن المستبدين والجبارين والدكتاتوريين هم الذي يستأثرون بالتصرف في السلطة، والناس من حولهم أشبه ببعض المخلوقات التي تحيط بحامل طبق الحلوى، فيشكلون طبقة يستخفهم الحاكم المستبد فيحولهم إلي قطيع مزيف، ويستخلفونه فيصدق مدحهم وما يلقون عليه من الألقاب الكاذبة من مثل الإلهام والبطولة والذكاء الخارق، وعندها تتحول الانكسارات إلي انتصارات، والفشل إلي نجاح، وتحتل المجتمع ثقافة العبودية المتبادلة.. فهو يذعن لهم طلباً لدعمه ومساندته وضمان استمراره وهم يذعنون له لضمان مصالحهم ومكاسبهم، التي لا تؤهلهم إمكاناتهم الذاتية للحصول عليها، فتصبح مربوطة بوجوده، وكأنها الرزاق المحيي المميت، يعبدهم ويعبدونه. في هذا الجو الخانق، والتعسف الذي يصيب كل شيء وفي مقدمة ذلك الحرمان من الكرامة والإنسانية، تتحول أجهزة الأمن والجيش من الدفاع عن الوطن ورد الأعداء، والطامعين إلى حماية الحكم ومطاردة الشعب، وعندها يتحول الإنسان إلي لغم مهيأ للانفجار والعنف والتطرف وفعل أي شيء، لأنه فاقد لكل شيء ومطارد في كل شيء وحني يضمن الاستبداد تحقيق المنافع لجيوش الإتباع وعناصر الأمن والإنفاق على المحاسيب لا بد أن يستأثر بالثورة، وعندها يتحالف ويلتحم رأس المال مع السياسة، ويمتد الفساد لينال كل نواحي الحياة الاجتماعية والاقتصادية وتشل المجتمعات وتتوقف المحركات الاجتماعية وتنتعش البطالة، ويكثر الحرمان ويعم الفقر والقهر، وينمو الحقد وتنتهك القيم ويستفز الناس في عقائدهم وقيمهم وتقاليدهم الاجتماعية فلا تنمو في المجتمع سوي الرذيلة والإباحية ولا تتقدم إلا أجهزة القمع والتجسس، ولا تتوفر الحرية إلا لممارسة الرذيلة. في هذا المناخ القلق فاقد التوازن، الذي يحرم الناس من الحياة السوية، ويغلق عليهم كل مجالات الحركة والكسب والتعبير وتحقيق الذات، إلى جانب الاستفزاز والتحدي من سقط الناس ورعاعهم، يتحول المجتمع إلى ساحة مزروعة بالألغام المؤهلة للانفجار، وإلى بركان كبير يلقي بحممه التي قد تأتي على الأخضر واليابس. في هذا الجو، تنمو البطالة والفقر والجوع والجنوح والجرائم المنظمة والتشرد والتفكك الأسري والعصابات، التي قد تستظل بظل الأنظمة المستبدة، بالحق والباطل، وتكثر الذرات الصغيرة التي تتجمع وتتحالف لتشكل ظاهرة التطرف. هذا الطاغوت السياسي والمالي يتطلب بطبيعة الحال توفير طبقة من المثقفين الخونة لمسؤولياتهم وفقهاء السلطان، الذين يبيعون دينهم بعرض من الدنيا قليل، لممارسة السدنة وإيجاد المسوغات السياسية والشرعية لهذا الطاغوت، فلكل طاغوت كهنته، الذين تشرئب أعناقهم لكنز الذهب والفضة، على الرغم من تحذيرنا من تسرب علل التدين عند الأمم السابقة، التي كانت سبب هلاكهم وانقراضهم حيث هلكوا بالطاغية، يقول تعالي ((إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ) (إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ) التوبة : 34) آية نزلت في رجال الطاغوت الديني وليس في الطغاة، لأنهم الأخطر في صناعة التضليل، وتغييب الوعي، وتعطيل الفاعلية، وعند ذلك تصل الأزمة إلي التحالف غير المقدس، أو الثالوث غير المقدس، وهو: الطاغوت السياسي، الاستئثار بالسلطة والطاغوت الاجتماعي والاقتصادي الاستئثار بالثورة، والجبت "الكهانة الدينية" الاستئثار بالتفسير الديني وابتداع الحيل الشرعية، التي تشكل المسوغ والغطاء الشرعي الديني لذلك. وليس أقل شأناً وخطورة، في صناعة التطرف والعنف وتوفير أسبابه، ذهنية التجييش، ولكل طاغوت جيشه، والتحشيد، والتحميس، والخطب الرنانة، والانفعال، وإغراق الساحة الثقافية والدينية بمجموعة من المبادئ والشعارات، وإذكاء عاطفة الجماهير وتأجيجها وربطها برايات الجهاد وتعطيشها إلي ممارسة الاستشهاد طمعاً في نيل الثواب والفوز بالجنة، وأثارها واستفزازها بخطورة الواقع وثقل ضغوطه، ومن ثم تركها لمصيرها، بعد أن تحققت الزعامات، دون أن تضع الأوعية الشرعية لحركتها، والخطط المدروسة والموضوعية لفعلها، والتقدير الدقيق للظروف المحيطة والاستطلاعات المتوفرة، فتتحول إلي ألغام موقوتة تنفجر هنا وهناك، وقد تنفجر بنفسها وبمجتمعها، ذلك أن انعدام الرؤية والإستراتيجية للعمل يؤهل هذه الجماهير المتحمسة للاستغلال والتحريك والاختراق، والاستعداد لتقديم التضحيات في غير مواضعها وزمانها ومكانها، تتحول لتصبح مخزناً للتضحيات وأدوات تصفي بدمائها |
---|---|
ISSN: |
1858-6457 |