ارسل ملاحظاتك

ارسل ملاحظاتك لنا







حينما يتطرف الخطاب الديني تتفجر البنية البارانوية أو العنف

المصدر: أوراق فلسفية
الناشر: كرسي اليونسكو للفلسفة فرع جامعة الزقازيق
المؤلف الرئيسي: عسكر، عبدالله (عارض)
المجلد/العدد: ع16
محكمة: نعم
الدولة: مصر
التاريخ الميلادي: 2007
الصفحات: 45 - 64
رقم MD: 625923
نوع المحتوى: بحوث ومقالات
قواعد المعلومات: HumanIndex
مواضيع:
رابط المحتوى:
صورة الغلاف QR قانون

عدد مرات التحميل

58

حفظ في:
المستخلص: نخرج مما سبق أن الخطاب الديني والأيديولوجي أحد الخطابات الأساسية في المشروع الإنساني. ويصطبغ بنفس البنية البارانوية التي تصطبغ بها الأنا، طالما أن الأنا هي الوسيط أو حامل الرسالة سواء من الآخر الداخلي أو من الآخر الخارجي، ويعد الدين أكبر المؤسسات وأقواها التي تعمل على صيانة الأب الرمزي أو الآخر الأكبر، وتأتي المخاطر من هؤلاء الحراس الذين ينصبون انفسهم مكان المالك الأصلي، فيتوحدون دون وعى بالمطلق، ومع التوحد تختلط رسالة الآخر الأكبر برسالة الأنا، وتتفرق البنية الرمزية وتتعدد الرؤوس وتتعدد معها الخطابات، فيتفرق النص الديني ويتم معالجته على نحو بارانوى، ولم لا يكون هو المالك الفعلي، وينصب نفسه ملكا مقدسا ويبطن رسالته بأقوال الرب، ويتزايد الأتباع، ويدخل في صدام مع الرؤوس الأخرى فيحتدم الصدام، وتتهدد المملكة وتتمسرح النرجسية وتتكشف البنية البارانوية، وتستند في مرجعيتها إلى قانون البارانويا النرجسي، ويحاول أن يفرض خطابه بالقوة على الآخر حتى ولو كان على حساب قتل الآخر، ذلك الذي يحرك بنية الثأر والانتقام لدى الجماعات الأخرى، لتسلك نفس السلوك العنيف بهدف تدمير الآخر وتضيع مثل هذه الخطابات والرسائل التي شوهتها البارانويا ودمرتها النرجسية. ويبقى العدم هو المسيطر على أن يلقن القادم الجديد درسا في التسامح وقبول الآخر، ولكن هيهات، فستظل بنية البارانويا والعداء النرجسي متوارية خلف كل الحوائط الرمزية العرفية، وحتى العلمية. طالما كانت إنسانية الطابع، ستظل بمثابة برميل البارود الذي يتفجر لمجرد إشعال الثقاب، فإذا تعثر النظام الرمزي في احتواء هذه البنية، وعمل على استثمارها لحساب الرغبة (رغبة الآخر)، فإن المصير هو السقوط في بئر النرجسية والأوهام التي تنتهي إلى استخدام العنف والعدوان كوسائل بدائية لتأكيد أوهام القوة والسيطرة والكمال. ومع فشل الوعود الأبوية الرمزية في تحقيق الحرية والكرامة والسلام وتأكيد الهوية وصيانة الملكية، فان مستقبلي الرسالة الدينية يفقدون الثقة في حامل الرسالة، فيطلب التضحية وتقديم النفس قربانا للرب آو الآخر الأكبر، حيث يطارده جمهوره بالعار ويشعر بالخزي حين يكتشف حقيقة ماتنطوى عليه معرفته من قصور، ويدرك مثل هؤلاء إلى أي مدى قد تعطل مشروعهم الإنساني، وزادت عزلتهم عن السياق، واستبد بهم الفقر والجوع والخراب، فيقررون الانتحار الجماعي كما وقع حديثا بين أعضاء طائفة إحياء الوصايا العشر في أوغندا لينتهي الآمر إلى مأساة باسم البارانويا التي أخذت من الدين بطانة لها. ومع تفاقم الأوضاع الاجتماعية في المجتمع المعاصر، فلقد تعقدت البنية البارانوية، وانتقلت إلى البناء الاجتماعي، حيث تم اسقاط هذه البنية على العالم الخارجي فتطورت أساليب التجسس والرقابة، وأصبحت العين الشريرة القديمة عددا من الأعين الإلكترونية الراصدة تتجاوز في قدرتها على الرصد والتجسس حدود الخيال الإنساني، واصبح التفكير التآمرى احد مكونات المنظومة العقلية، وتطورت أدوات القهر حتي طالت الدول والشعوب، وارتدت كل جماعة إلى نرجسيتها، وأصبح لكل منها برميلا من البارود تتوجه فوهته تجاه الآخر المبرر للوجود، وانتشرت حقول الألغام، وحملت القوى العظمى الشفرة الرمزية للقوى التدميرية التي تنتظر لحظة إشعال الثقاب ليتفجر العدوان النرجسي الانتحاري بذرائع اقتصادية أو أمنية تصنعها الأوهام الأيديولوجية البارانوية التي تحتاج دوما إلى مرآة رمزية توحد أشلاء ألانا، وتحد من التوحش الخيالي، وتربط الإنسان برغبته في سبيله لإنجاز هويته التي تظل نقصا مجازيا في الكينونة. عندها يتحقق الرضا ويسعى الإنسان لأن يكون حين تكون رغبته في حوار تبادلي مع الآخر مستندا إلى القاعدة الرمزية، متجاوزا للماضي الخيالي ومتكاملا في نسيج من الدوال الأخرى التي تزرع الآمل في تحقيق الأمان والسعادة. وتظل الرسالة الأساسية للمشروع الإنساني في رحم الغيب الرمزي، تلك الرسالة التي ينبغي أن تعمل على صيانة الآخر المبرر للوجود.

عناصر مشابهة