المصدر: | مجلة كلية التربية الأساسية |
---|---|
الناشر: | الجامعة المستنصرية - كلية التربية الأساسية |
المؤلف الرئيسي: | رحيم، مقداد (مؤلف) |
المجلد/العدد: | ع83 |
محكمة: | نعم |
الدولة: |
العراق |
التاريخ الميلادي: |
2014
|
الصفحات: | 15 - 38 |
ISSN: |
8536-2706 |
رقم MD: | 637957 |
نوع المحتوى: | بحوث ومقالات |
اللغة: | العربية |
قواعد المعلومات: | EduSearch |
مواضيع: | |
رابط المحتوى: |
الناشر لهذه المادة لم يسمح بإتاحتها. |
المستخلص: |
إن التفكير بالموتِ والخوف منه كان مما يُراودُ الإنسان في كل مكان وفي كل زمان، بوصفه نهاية لابد منها للحياة، وقد عزَّ الخلودُ على طالبيه، غير أن الخوفَ أحيانًا يُصبحُ خوفًا مرضيًا لا دواءَ له، فيُفسد الحياة ويُنغصَّها، وقد واجه العرب المسلمون في الأندلس الخوف بأنواعه المختلفة، كان الموتُ والعذابُ المشترك الأوسعَ فيها، كما دلَّ على ذلك شعرُهم. وقد اشتملَ هذا الشعرُ على ثلاثة اتجاهات للخوف، أولها خوف المسلمين المؤمنين من عذاب الله سبحانه وتعالى الآخرة، وثانيها خوف المذنبين من عقوبة السلاطين والحُكَّام في الدنيا، وثالثُها خوفُ أصحاب الدنيا من مفارقتها وهم يحرصون على لذَّاتها ومُتعها ومباهجها، ويطمعون في المزيد منها. وقد كشف البحثُ عن أنَّ هذه الاتجاهاتِ الثلاثة وُجدتْ في الشعر العربي في الأندلس منذ وقت مبكرٍ جدًا واستمرت حتى وقت متأخر من الوجود العربي هناك، وقد شملتْ كلَّ الحقب الزمنية، وأنَّ المجتمع الأندلسي كان مُحاصرًا بالخوف سواءٌ أكان خوفًا إيجابيًا يؤدِّي إلى صالح الأعمال كما هو الحال لدى المسلمين المؤمنين، أم خوفًا سلبيًا يؤدِّي إمَّا إلى التذلُّل والتخضُّع للسلطان وربما مواجهة التنكيل والموت على يديه كما هو الحال لدى أصحاب الزلل عن خطة نظام الحاكمين، أو إلى اليأس والقنوط والتأسُّف المستمر على الدنيا وانقضاء زمن التمتُّع بملذاتها كما هو الحال لدى طالبيها، وهو في كل الأحوال يُشير إلى أنَّ الحياة في الأندلس لم تكن كلها رفاهًا، ولم تكن هي الفردوسَ الآمنَ دائمًا. وكان لهذا الخوفِ الفضلُ في نظم عددِ هائلٍ من القصائد يمكن معه تأسيس اتجاهٍ شعري جديد يتفرَّعُ من الرثاء ونسميه رثاءَ الحياة، فيتضمن رثاء النفس وهي تغادر الحياة، ورثاء الحياة نفسها وهي تُغادر، أما الخوفُ من السلطان فيمكن أن ينضوي تحت اتجاه الشعر السياسي. كما دل هذا الشعر على إسهام كل فئات المجتمع وطبقاته فيه، ولم يستطع الكثيرون إخفاء خوفهم من الموت أو الخوف من العقوبة في الدنيا أو الآخرة، فضلاً عن تأكيدهِ أنَّ الشعر بقي صالحًا للتعبير عن المشاعر والتأثير فيها، وكان رسولاً مسمومًا دائمًا وناجح المسعى أحيانًا للعطف والصفح والغفران لدى الملوك والسلاطين وأصحاب القرار في الدول الأندلسية. أما تلك القصائد التي لم تكن مسموعةً ولا ناجحةَ المسعى في استدرار العطف ونوال العفو والنجاة من العقوبة فقد كانت محملاً للأمل المنشود في تحصيل ذلك. كما كان هذا الغرضُ رسولاً إلى الله سبحانه وتعالى من قبل المؤمنين ورجال الدين والفقهاء الذين صدرت عنهم مئات القصائد التي تغصُّ بمعاني الاستغفار والتوبة، فضلاً عن الكثير من معاني الدين الإسلامي الحنيف. وفضلاً عن ذلك كله فإنَّ هذا الشعر استطاع أن يُثبتَ أنه قادرٌ أن يكون وثيقة تاريخية مساعدة تستطيعُ أن تكشف عن بعض حوادث التاريخ السياسي والاجتماعي وملابساتها، لاسيما وهو يتعرَّضُ إلى المعنى الحقيقي للموت وليس المعنى المجازي له. أما من الناحية الفنية فقد أتكأتْ قصيدة الخوف الأندلسية على أغلب أوزان الشعر العربي الستة عشر، وتلونتْ موسيقاها بمختلف الإيقاعات، ولم تقتصر على وزنٍ عَدَّهُ القدماءُ جليلاً ثقيلاً دون وزنٍ كانوا يعدُّونه هزليًا خفيفًا، وكان مقياسُ ذلك بحسب ما أرى هو إيقاعُ نفس الشاعر ساعةً نظم القصيدة، واستجابتُهُ له دون التفكير بتحضير ما يراه ملائمًا من الإيقاعات الشعرية دون سواه. وما يُقال عن الأوزان ينطبقُ على القوافي، فقد تنوَّعتْ بين مُطلقٍ ومقيَّد، كما تنوعت حروف الرويِّ فيها لتشملَ حتى النادرَ الثقيلَ منها مثل حرفي الثاء والطاء. ومما يُلاحظُ أن عدةَ قصائد من هذا الشعر استطاعت أن تؤثرَ في نفوس شعراء آخرين في أجيالٍ متعاقبة ليعارضوها، فكانت لدينا مجموعة كبيرة من القصائد موحَّدةُ الوزن والقافية والروي والموضوع. أما حرارة النظم وقوتُهُ فلا نكاد نجدهما في قصائد الخوف من الله عزَّ وجل كما نجدهُما في قصائد الخوف من السلطان والخوف من الموت نفسه، ذلك أنَّ المسلم المؤمن يتوجَّهُ في خوفه إلى الله سبحانه وتعالى بروحٍ ساكنة مطمئنة، وهو مؤمن تمام الإيمان بأنه غفور رحيم، ومُقبِلٌ على حياة أخرى خالدة، بينما الخائف من السلطان يتوجَّه إليه وهو يائس من رحمته وعفوه، واثقٌ من بطشه وتنكيله، فتفور نفسُه بالجزع، وتطفحُ مشاعرُهُ بالفقدان، ومثلُه المُتشبِّثُ بالدنيا الطامعُ بمزيدٍ من العيشِ، الذي يجد في الموت انقطاعًا تمامًا عن الحياة، وزوالاً لملذَّاتها. استجاب الشعر العربي لمعطيات الحياة الجديدة في شبه الجزيرة الأيبيرية بعد الفتح العرب الإسلامي لها في العام الثاني والتسعين من الهجرة النبوية الشريفة، وتسلل لجميع مناحي تلك الحياة، وأخذ الشعراء يعبرون به ومن خلاله عن مشاعرهم وأفكارهم الخاصة، كما يعبرون عن أمور الدين والمعتقدات والآراء السياسية والعلمية وحتى الفلسفية على انحسارها في الأندلس بشكل عام. وقد أتاح لنا الشعرُ في الأندلس ما أتاحه لنا رديفُهُ في المشرق من كمٍّ هائلٍ استوعب جميع جوانب الحياة مع احتفاظه بما يتميز به عنه، ومن تلك الجوانب العلاقةُ بالآخَر التي تشعبتْ لتشمل الخالق في قدرته السرمدية الشاملة، والسلطان في قدرته المحدودة الزائلة، والموت حيث زوال الحياة. وقد بدا الشاعر الأندلسي لصيقًا بهذه العلاقات مشدودًا لها على أنحاء مختلفةٍ تتحكَّمُ بها عواملُ كثيرةً لا ينبغي تجاهلُ العامل الذاتي منها على أية حال. |
---|---|
ISSN: |
8536-2706 |