المصدر: | مجلة مجمع اللغة العربية بالقاهرة |
---|---|
الناشر: | مجمع اللغة العربية |
المؤلف الرئيسي: | أبو سليمان، صادق عبدالله (مؤلف) |
المؤلف الرئيسي (الإنجليزية): | Abu Soliman, Sadek A. M. |
المجلد/العدد: | ج121 |
محكمة: | نعم |
الدولة: |
مصر |
التاريخ الميلادي: |
2011
|
التاريخ الهجري: | 1432 |
الشهر: | مايو |
الصفحات: | 217 - 299 |
رقم MD: | 653603 |
نوع المحتوى: | بحوث ومقالات |
اللغة: | العربية |
قواعد المعلومات: | AraBase |
مواضيع: | |
رابط المحتوى: |
المستخلص: |
اللغة نظام مطرد قوامه الصوت والكلمة والتركيب والمعنى، ينبتها المجتمع في أفراده بالاكتساب التدريجي غير المصنوع، ولعل ما يعزز هذا الفهم أن لغة الفرد تكون في نمو دائم، وتتلون على لسانه بما يناسب سنه وتجاربه في الحياة، وكذلك فإن من سنن اللغات النمو والتجدد والتكيف مع متطلبات أهلها في مختلف طبقاتهم وصنوفهم وأهوائهم، وفي مختلف عصورهم، وما من عصر من العصور إلا أضيف إليها جديد؛ أو انقرض منها ما لا حاجة إلى استعماله عند أهل العصر كالأتان والجحمرش والجفلى والحيزبون والغضنفر وما إلى ذلك؛ أو قلت فورة وجوده على الألسنة بقلة استعمال مسماه، أو زوال المقتضي لاستعماله كزوال الاستعمار الذي تزول معه كثير من ألفاظه؛ أو جاء بديلاً لسابق عدل المجتمع عنه كالحكيم، والتمرجي، والاصبطار (الاسبتالية)، والحكمة، والفرمشية (الأجزخانة)، والريشة، والكلبوش، التي حل محلها – في بلدنا فلسطين – الدكتور أو الطبيب، والممرض، والمستشفى أو المشفى، والعيادة، والصيدلية، والقلم والسجن. وهذا الجديد المضاف إما أن يكون جديداً في لفظه ومدلوله أو مسماه كالحاسوب أو الحاسب الآلي، والناسوخ بل الناقول كما أسميه؛ أو يكون في شكل أو مضمون جديد يشبه القديم كالريشة والسيارة والمذياع والقطار؛ الأمر الذي حول دلالة القديم إليه؛ أو يكون مقترضاً أو مستعاراً من لغة أخرى يستبدل به غيره من لغة المجتمع أو يعمر. وهكذا فإن اللغات – ومنها العربية – تعيش في حركة مستمرة تطوع نفسها إضافة وتغييراً وزوالاً؛ لتلبي متطلبات أهلها، وهي – كما يقول جمهرة اللغويين – أشبه بالكائن الحي، واللغة العربية – أياً يكن إيماننا بقدرتها على المحافظة على أصول أنظمتها الصوتية والصرفية والتركيبية والدلالية – واحدة منها، ونحن لا نستطيع أن نزعم أن الجاهليين والإسلاميين والأمويين والعباسيين ومن تبعهم من أهل لغتنا العربية يستطيعون فهم كل مضامين مفردات لغة القرن العشرين أو الحادي والعشرين؛ فهم سيفهمون أن ما يسمعونه منها هو العربية أو مرتبط بها بنسب، ولكنهم سيجدون كثيراً منه يستغلق عليهم فهمه، ودليلنا في هذا السياق بسيط جداً نلمسه فيما بين لغة الكبار والشباب من فروق؛ فقد تجد الشاب يقف عاجزاً أمام فهم مفردات يسمعها، وقد عايشت ظواهر منها مع طلبتي في الجامعة؛ فكثيرة هي الوقائع والتجارب التي كشفت لي عن عدم إدراكهم أو عدم إدراك كثير منهم لمعاني كلمات هجرها الاستعمال، أو استمر استعمالها على ألسنة الكبار أو بيئات معينة. وفي ضوء هذه السنن اللغوية نستطيع أن نقول: إن إفرازات ظاهرة الروشنة التي عرضنا لأكثر مظاهرها مما سمعناه أو اطلعنا عليه في مواقع التواصل على شبكة البراق تأتي في سياق حركة اللغة في الاستجابة لمتطلبات أهلها، وهم الشباب ومن حاكاهم من المتصابين، وينطبق عليها ما انطبق على ما سبقها من مظاهر التجديد أو الخروج على المألوف: سيمضي أصحابها في طرقهم غير عابئين بما يوجه إليهم من نقود، وستقابلها طائفة من النقاد والعلماء بالرفض والاتهام، وربما تقابلها أخرى أو تقابل بعضها بالرضا والقبول؛ وسيحيا من ألفاظها وتراكيبها ما يقبله الذوق ولسانه العام، ويصير جزءاً من اللغة تتناقله الأجيال ما دامت الحاجة إليه قائمة، ولا يوجد البديل الذي سيقره الذوق الجمعي لعصر جديد آخر؛ وسينقرض من ألفاظ الروشنة وتراكيبها ما شيء له الانقراض، سواء أكان موافقاً للمألوف من نظام اللغة أم مخالفاً له؛ فالعبرة عند العوام عرفهم الاجتماعي: باعث ما تدرج عليه ألسنتهم، وليست قواعد النحاة، وأذواق العلماء. |
---|