المستخلص: |
يبدو أن للقصة القصيرة قصة طويلة الفصول مع قارئها، وصورة ذلك أنها بخلاف الرواية، تكسر عمود السرد: فلا تقول المعني في تفاصيله واختلاق حالاته ٠ وإنها تكتفي بالإشارة إليه فحسب، أو تسحبه من صمته؛ وتجريه في أرضها ملتفا بألفاظ، حاضرا فيها غائبا معا. وبين حضور المعني وغيابه، تورط القصة قارئها في فعل تأويلها، وإذ تورطه، ترتقي به من حيز الانفعال بها إلي حيز الفاعلية فيها، حتي يصير بمكانه عون من أعوان حكايتها، يحميها ويرقب مسيرتها وينميها. وليس من وظيفة القصة القصيرة أن تتكفل بسرد الحكايات، وأن تنوع من أفضيتها وشخوصها وأحداثها؛ لأنها بالكاد تحكي حكايتها. ولكنها تقتر في سردها، وتوجز فيه حتى لكأنها تمتص عالم القارئ رحيقا كثيفا. ذلك أنها تباغت الشيء لتنصب عليه، راسمة منه الدال فيه ، من ملمح وقول وحركة وفضاء. وفى خلال انصبابها، تعد بالمعنى، ولا تتحمل وزر الوفاء به؛ لأنها لا تريد أن تتعدى على حرمة القاري، في أن يتخير من وعودها ما يحقق أفق انتظاراته منها، ولا تبتغي له أن يحرم من لذة الخلق: خلق معانيه في موازاة مع معاني الكاتب.
|