المستخلص: |
لقد عرف السودان منذ آلاف السنين باعتباره أرض موارد ومصادر عديده كما أوضحنا من العرض السابق، وقد استمر هذا الاعتقاد حتى العصر الحالي. فمازالت الثروة الحيوانية مطلوبة بشقيها البري والمستأنس ومازالت العمالة السودانية المهاجرة طوعا في كل انحاء العالم، ومازال الذهب يتم التنقيب فيه حتى مع ظهور البترول كمصدر ثروة جديد. ومن أقدم ما ورد إلينا من وصف للبلاد نجد النصوص المصرية الهيروغلوفية والتي في معظمها تصف بلادا غير التي تعرفنا عليها آثاريا وربما يعزى ذلك إلى النزوع الفطري عند الإنسان نحو زخرفة القصص مما يؤدي إلى الغلو والمبالغة، إلى جانب جهل المستكشفين الأوائل لكثير من المعلومات عن الأرض وطبائع أهلها وعاداتهم. لقد جذبت أراضي أعالي النيل بحيواناتها وأهلها ذوي البشرة السوداء الخيال الرومانسي للإغريق والرومان.. فقد تحدث هومر عنهم باعتبارهم "أبعد الشعوب - أكثرهم عدلا- المفضلين لدى الآلهة" (Adms المرجع السابق - ص 1). وبصورة عامة، فإننا نجد وصف الكتاب الكلاسيكيين وصفا أدبيا مشحونا بالصيغ الجمالية المميزة للتقاليد الإغريقية (النور 2006: ص 49)، فقد كان تصورهم للأرض والسكان على أساس منطلقا من التصورات الهومرية، نظرة الأرض اليوتيبيا utopia بمدينتها الفاضلة والتي أثرت على رؤية هيرودوت لأهل السودان. هذه الأرض المتناقضة ظاهريا، أحيانا جاذبة للغرباء وفي أوقات أخرى طاردة لهم. فقد ذكر هيرودوت أن قمبيز الفارسي قد نزل أرض النيل حتى الشلال الرابع وكاد أن يفقد حياته وجيشه في رحلة العودة، وفي القرن الأول قبل الميلاد وصل الجيش الروماني نبته وسلبها ولكن فشل نيرو في أن يضم أرض النوبة للممتلكات الرومانية، والجيوش العربية والتي اكتسحت المسيحية في شمال أفريقيا وصلت حتى أسوار مدينة دنقلا عاصمة مملكة المقرة المسيحية ثم عادت بعد إبرام معاهدة صلح البقط، وصلاح الدين الأيوبي الذي هزم ريتشارد قلب الأسد واكتسح مصر وسوريا، تراجع عن أي فكرة تجعل السودان ملجأ في أوقات الشدة .. وهكذا تستمر الأدلة حتى نصل عند توقف الجيوش العثمانية عند الشلال الثالث في نهاية القرن السادس عشر وفي القرن التاسع عشر تركت بريطانيا كل السودان لثوار المهدية المسلحين بالحراب والسيوف (Adams1984: 17). الشيء الملاحظ أن معظم الروايات الكلاسيكية كانت أقوى في الوصف الجغرافي والاثنولوجي منها في التاريخ. كما أن العديد من الكتاب نقلوا وبسخاء من هيرودوت. أضاف اخرون تفاصيل أخرى مثل استرابوا وديدور الصقلي وبليني الذين بالإضافة لما كتبوه عن الأرض وأهلها فقد شكلوا مصادر رئيسية عن العلاقات النوبية البطلمية والنوبية الرومانية، إذا لم يكن أبو التاريخ (هيرودوت) أول من كتب عن تاريخ السودان، لكنه الأول الذي تناول الموضوع بصورة جادة وموضوعية. وقد اعتمد على المعلومات التي قدمها له الرحالة من التجار والمسافرين في مصر العليا. ومنها قدم لنا وصفا لمروي في القرن الخامس ق.م. وطاولة الشمس التي زعم إنها السبب الرئيسي وراء غزوة قمبيز وهي الرواية التي استمرت متداولة لأكثر من أربعمائة عام بعده حيث ذكرها ديدور الصقل واسترابوا وبليني. كذلك نجد البعض مثل بليني الأكبر قد جمع المصادر دون تقييمها ودون أن يبذل جهدا نحو تحريرها. وفي العصور الوسيطة تلاحظ تحديدا للمسميات وظهور أسماء جديدة قائمة على اللون والعرق، بعضها قائم على معرفة حقيقية وأخرى نقلا عن الآخرين وفي كثير منها اختلط الواقع بالأسطورة. مما لا شك فيه أن نظرة الآخر في مجملها كانت سلبية حيث طغى التركيز على السواد وأسبابه ودور الحرارة في التبلد الذهني كما كان معتقدا والذي استمر حتى نهاية القرن التاسع عشر ليس في السودان فحسب بل معظم أجزاء الأرض جنوب الصحراء فيما يعرف بالقارة السمراء. غير ان الصورة الحقيقية لم تكن قاتمة تماما، فهنالك العديد من الاشارات التي توضح درجة ثقافة إنسان هذا القطر بل توضح حركته ووجوده في بعض مراكز الاشعاع الثقافي مثل الاسكندرية. اما الاعتزار بالذات فقد وضح منذ حملة قمبيز والذي ظهر في حديث الملك الأثيوبي مع جواسيس الحملة، كما وضح عند الحديث عن رؤيتهم للآخر وكيف أنهم أهل معرفة بلغتهم كتابة، خلاف أهل مصر الذين انحصرت الكتابة لديهم عند الكهنة. الحديث يطول، والروايات كثيرة، والأدلة متوفرة، يضيق عنها مجال البحث المحصور في دراسة علمية، لكنها تفتح الباب من أجل دراسات أوسع وتمحيص أدق وتحليل أكثر شمولا.
Ever since its first appearance on the political arena, back to the beginning of the third millennium B.C., the land of what is today Sudan was viewed as a land of human and mineral resources. European geographers and travelers who visited the country left though and fascinating accounts reflecting their observations and opinions on the country, its people, land, plant and animals. On the other hand, the local people had their comment on the people bordering them and others, as well as their own perceptions on themselves. Whether all these were myths or dogmas, or how far are these point of views reflect ethnocentric or merely reflections of personalities; this is what this paper is trying to present \
|