المستخلص: |
إن جذور الأزمة السكنية والتي هي تعبير عن اختلال التوازن بين العرض والطلب قياسا بمعدل النمو الديموغرافي لا ترتبط بمعطيات المرحلة الراهنة، بل إنها تمتد إلى مرحلة الستينيات لتعرف بعد ذلك تفاقما كبيرا مع نهاية الثمانينيات. وقد ساهم التصور العام الذي سيطر على التوجهات السياسية فترة الستينيات والذي يقضي بضرورة الاستفادة من الرصيد السكني الشاغر الذي تركه المستعمر، والتركيز على القطاعات الإنتاجية والصناعية، فظهرت بوادر الأزمة نتيجة توافد أعداد كبرى من الجزائريين تحت غطاء الهجرة الريفية نحو المدن بحثا عن مناصب عمل، وقد أفرز هذا الوضع ظهور أحياء قصديرية في ضواحي المدن وعلى أطرافها، فتسبب ذلك في تشويه المظهر العمراني والجمالي للمدينة، دون إغفال العامل الفاصل الذي مثله الوضع الأمني (العشرية السوداء) في الفرار الإجباري لآلاف العائلات والأسر من القرى والأرياف باتجاه التجمعات الحضرية وأقامتها لبناءات فوضوية غير لائقة، هذه الحركة كانت لها انعكاسات عميقة على مورفولوجيا المدينة والنسيج العمراني. إن كل هذه المتغيرات والمعطيات فرضت على الدولة الجزائرية مراجعة سياستها السكنية والقيام بجملة إصلاحات منذ بداية التسعينيات، لإنعاش قطاع السكن تماشيا مع مرحلة الدخول لاقتصاد السوق والتخلي عن النهج الاشتراكي، فتم فتح المجال لعدة أطراف لتفعيل ديناميكية هذا القطاع الاستراتيجي، منها القطاع الخاص، والبنوك ، إضافة إلى خلق آليات أخرى تكون مختصة في تمويل المشاريع السكنية مثل الصندوق الوطني للسكن Cnl، إضافة إلى التنوع المسجل في الأنماط السكنية الحضرية، إذ تم إعادة الاعتبار لكل من السكن الاجتماعي والترقوي، ابتداء من سنة 1993, ظهور صيغة السكن التساهمي سنة 1995. وصيغة البيع عن طريق الإيجار سنة 2001.. لكن ومع كل هذه الإجراءات والآليات التي سخرتها الدولة، فإن معطيات الواقع السوسيولوجي تكشف أزمة سكن يعاني منه المواطن الجزائري خاصة ذو الدخل الضعيف في اقتناء سكن لائق، نظرا للارتفاع المتزايد في ثمن السكنات الموجودة في السوق العقاري ، والذي أصبح في حالات كثيرة يضاهي ثمن المساكن الموجودة بالولايات المتحدة الأمريكية، إضافة إلى انتشار العديد من الظواهر الاجتماعية السلبية في الإدارة الجزائرية كغياب الشفافية، البيروقراطية والمحاباة، اللامبالاة، وأحيانا اعتماد الرشوة في الحصول على السكنات الاجتماعية، وغياب الرقابة الإدارية فيما يخص المضاربة بالعقار، فيلجأ الفرد الجزائري المغلوب على أمره إلى الإيجار في مساكن غير لائقة ومفتقرة للمقومات الأساسية والشروط الصحية للسكن القياسي الملائم. إن التحدي الجديد للاستراتيجية السكنية يكمن في كسب معركة النوعية وتحقيق بيئة اجتماعية ذات جودة تراعي البعد الاجتماعي والبيئي بشكل يسمح بالحديث عن تحسين نوعية الحياة في ظل تنمية حضرية مستدامة من خلال إعداد ومراجعة مخططات التهيئة العمرانية، وإنجاز بناءات ومساكن مستدامة تكون مريحة للإنسان وصديقة مع البيئة ونظامها الإيكولوجي، ولكن قبل كل ذلك اعتماد مبدأ العدالة الاجتماعية ومنطق الشفافية في التعامل مع كافة الفاعلين الاجتماعيين، بغض النظر عن مراكزهم المهنية ومستوياتهم الاجتماعية التي قد تصنع بعض الفروقات في عملية توزيع الوحدات السكنية أو اقتناء مساحات عقارية.
|