المستخلص: |
يمكن أن نعاين أن التحديث الذي تم في مجتمعاتنا العربية والإسلامية، لم يكن إلا قشريا سطحيا وأدواتياً، بل أكثر من ذلك تم تفريغ كل المفاهيم الحديثة في حياتنا من مضامينها الأصلية، فتبقى شكل ما هو حديث مع غياب جوهره، وقد عاينا كيف أن اختفاء العديد من قيم الحداثة عن مجتمعاتنا، قد أدى إلى انفصال سلوك الناس عن أهم ما يميز الإنسان الحديث، وهكذا كان غياب مفهومي العقلانية والفردية مؤثرا في استمرار العشوائية والتخبط في حياتنا العامة والخاصة، ومانعاً للإبداع والخلق، الذي يتطلبه أي مجتمع ينزع إلى تنمية بشرية شاملة، ليبني نهضته ويؤمن نموه وتطوره. ولقد عاينا أيضاً كيف أن غياب مفهوم وقيمة الساحة العمومية عن مجتمعاتنا كان وخيما في نتائجه، إذ في ظل غيابه ارتكب كل ما من شأنه أن يؤثر على دور المواطنة في المجتمع الحديث، ما يجرمه القانون أو يستنكفه حس المواطن. ولعل أبرز ما عايناه أن هذا الغياب لا يستثني أحدا من تأثيره، فهو يطول المجتمع بأكمله حكومة وأحزابا معارضة، أفرادا وجماعات، وبالتالي يطبع سلوك الجميع بنفس الطابع المضاد للحداثة ولقيمها... 1- Pratique de La philosophie (en collaboration). Hatier, Paris, 1994, p. 231. 2- Encyclopedia Universals. Corpus 15, 1993, p. 552. 3- Philippe Forest, Modernite' in culture ge' ne' rale contemporaine, Marabout Paris, 1997, pp. 180- 181. 4- نظرة واحدة على الأحداث التاريخية في مصر خلال هذه الحقبة يمكن أن تكون كاشفة لنا مثل: حركة على بك الكبير، وثورة الهمامين في الصعيد، وأحداث عام الحجة في القاهرة وغيرها... وكلها تكشف عن حالة بحث دائم عن مشروع محلي مصري يعكس حالة الوعي التي وصل لها المصريون. 5- راجع في هذا أعمال الفرنسي أندريه ريمون، والمؤرخ الأميركي بيتر جران والمؤرخة المصرية المرموقة نللي حنا. 6- مجيء الحملة بقواتها وعتادها وعدتها وأنظمتها الحديثة، وتحقيقها للانتصارات على جيش المماليك التقليدي بفضل ذلك التنظيم الحديث، وذلك النموذج الذي أثبت نجاعته على أرض المعارك، شد انتباه المصريين جميعاً الذين كانوا واعين أصلا بضرورة أن تتغير حياتهم على نحو يحقق طموحاتهم في حياة جديدة تليق بهم. 7- تعتبر الساحة العمومية مفهوما حداثياً بامتياز يرقى إلى مستوى القيمة الأخلاقية، وهو فضاء افتراضي يتسع لكل الأفكار والآراء وتبايناتها، كما أنه يضبط السلوك والعلاقات التي تتم داخل إطار المدينة بمعطيات الحداثة ودعائمها. 8- نخلط في اللغة العربية غالبا بين مصطلحين يعبران عن عمليتين يترجمان دائما بالعلمانية، الأول هو Laicisation وهو مصطلح الترجمة بالعلمنة، بمعنى الفصل بين المجالات المختلفة، ومن بينها الدين والسياسة، وهو ما اشتهر وتم التركيز عليه من المصطلح، بينما الثاني هو Secularisation وهو ما ترجمه دائماً بمصطلح عربي اشتقته هو الدنيوه، الذي يعني وحده فصل الديني عن الدنيوي. \
|