المستخلص: |
إذا كان القصد من مقالة الإمام أحمد بن حنبل في التفسير بيان منزلة هذا العلم من علم الحديث، فإن من تصدوا للتدوين في علم التفسير تفاوت عملهم في كيفية الاستفادة من بيان رسول الله صلى الله عليه وسلم في مواجهة تحديات عصورهم. ولقد استندت هذه المداخلات على ما يمكن تسميته "علم اجتماع التفسير" الذي تكون عمدة القول فيه فهم العلاقة بين الظروف الاجتماعية والسياسية والثقافية التي أسهمت في إنتاج العمل التفسيري بسبيل النظر في الصلة المتبادلة بين العمل التفسيري وتلك الظروف. فالتدقيق في بيان المحطات الرئيسة في حياة كل من سيد وحمكا كان الغرض منه محاولة فهم كيفيات الانتقال من المرحلة الأولى إلى المرحلة الثانية في حياة كل منهما. ولما كان ذلك الانتقال يقتضي فهم تلك الظروف، فإن هذا البحث لم يقف عند حدود العمل التفسيري لكل منهما، وإنما حاول التقعيد لما يمكن أن يوصف بعلم اجتماع التفسير. ولقد جسد كل من سيد وحمكا مهمة المثقف العضوي في عمله التفسيري، وطالما أن التفسير ليس مثله مثل الفقه أو أصول الفقه أو أصول الدين، فإن النظر في تفسيري "في ظلال القرآن" و"الأزهر" قد أبرز لنا ظاهرة جديدة وهي ثنائية الناقد الأدبي والمفكر الحركي بدلا عن ثنائية الفقيه والمتكلم، كما أتاح لنا فهم المهمة الجديد للمثقف العضوي المسلم وتقاطعه مع وظيفة العالم التقليدي. ولا بد من الإشارة في خاتمة هذه المداخلات إلى أن كلا من الباحثين قد تأثر في سني الطلب إما بتفسير ظلال القرآن أو بتفسير الأزهر، ولذلك فإن صدى ذلك التأثر الباكر قد انعكس إيجابا في بناء نص هذه المداخلات، فكأن هذه المداخلات هي إعادة كتابة تأثير تفسيري في ظلال القرآن أو الأزهر في تشكيل "المخيال" الديني والفكري للأجيال اللاحقة. وبالتالي فهي مداخلة على مداخلة: كان الأساس الأول فيها التفاعل مع العمل التفسيري ثم الوعي بذلك التفاعل من خلال رؤيته في سياق فكري أوسع. وربما أثار هذا الكلام في الذهن سؤالا عملياً: ما الذي تتيحه هذه المداخلات بين سيد وحمكا من إمكانات لفهم العمل التفسيري في مواجهة قيم الحداثة؟ والجواب على ذلك هو أن فهم ردود كل من سيد وحمكا على قيم الحداثة من خلال عمله التفسيري توفر لنا مادة علمية ثرة في فهم تشكلات الإسلام المعاصر في كل من إندونيسيا ومصر، ومن ثم فهم العوامل التي تؤدي إلى قبول تفسير بعينه وعدم قبوله، وبيان أن تفسير القرآن إنما هو تفاعل بين الحركة العلمية وتوقعات الحركة الإسلامية في كل من مصر وإندونيسيا. ولا شك أنها في حالة سيد وحمكا تتيح لنا فهم كيفيات إعادة تنظيم المأثور من التفسير وفق إطار جديد من الكتابة حول القرآن الكريم. وإذا كانت المقولة الأساس في هذا البحث أن منهج تفسير القرآن كان قائماً على إعادة تنظيم المأثور وفق حاجات الجماعة العلمية، إلا أن النظر في العمل التفسيري لدى كل من سيد وحمكا قد فتح آفاقا جديدة حول اكتشاف قواعد جديدة للفهم والتعبير عن إعجاز القرآن. فقد أسهم سيد في بيان كيفيات الانطلاق من قاعدة التصوير الفني في القرآن إلى الحياة في ظلال القرآن منهجاً للفهم وإيجاد أجوبة لمستجدات الحياة ومواجهة القيم المناهضة للإسلام بإعادة فهم القيم الإسلامية في مواجهة تحديات الحداثة، وقد استوعب حمكا هذه المحاور وعبر عنها بصيغ من البيان يعرف بخصوصيات أرخبيل الملايو في هذا الصدد.
|