ارسل ملاحظاتك

ارسل ملاحظاتك لنا







الشعراء الموسوسون في التراث العربي

المصدر: مجلة مجمع اللغة العربية بدمشق
الناشر: مجمع اللغة العربية
المؤلف الرئيسي: محمد، أحمد علي (مؤلف)
المجلد/العدد: مج87, ج3
محكمة: نعم
الدولة: سوريا
التاريخ الميلادي: 2012
التاريخ الهجري: 1433
الشهر: شعبان / يونيو
الصفحات: 727 - 754
رقم MD: 732650
نوع المحتوى: بحوث ومقالات
قواعد المعلومات: AraBase
مواضيع:
رابط المحتوى:
صورة الغلاف QR قانون

عدد مرات التحميل

53

حفظ في:
المستخلص: إن أبرز ما ينبغي تدوينه من سمات شعر الموسوسين ارتباط ذلك الشعر بالحكايات الظريفة، حتى لكأن تلك الأشعار نظمت لتأكيد الحكايات، أو أن الحكايات نسجت لتأييد الأشعار، وفي الحالين تربح تلك الأشعار مزية تمكنها من الاستقرار في الذاكرة الأدبية، وتنبع طرافة من ذلك التآخي بين الأشعار والحكايات في تراث الموسوسين من خلال وحدة الهدف وإبراز المعنى الشعري الذي تشف عنه الحكايات والأشعار في وقت واحد، بيد أن هنالك مفارقة تنجم عن ارتباط الحكايات بالشعر عند الموسوسين مفادها أن أولئك كانوا يخلطون في أقوالهم وتصرفاتهم، ولا يخلطون في أشعارهم، وهذا ما دفع أديبا كابن المعتز إلى الظن بأن الموسوسين قد نظموا أشعارهم قبل أن يلم بهم داء الوسوسة ( )، وهذا مجرد ظن، لأن سير الموسوسين لا تعضده لاقتران الحكايات بالشواهد حتى لكأنها بالفعل مسببة لها أو ناجمة عنها، وأمر آخر أن منبع الطرافة في الحكايات يتمثل بتخليط الأقوال والأفعال، وهنا مكمن الطرافة ومصدر الإضحاك، ثم تحدث المفارقة مع مجيء الشاهد الشعري وهو في غاية الانضباط والروعة، وهنا تتمثل قيمة الحكايات التي رويت عن الموسوسين، وقد احتفت بسيرهم كتب الأدب كل هذا الاحتفاء لا لطرافتها فحسب، بل لانطوائها على المفارقة الأدبية التي تريد أن تشير إلى موطن الحكمة في حياة هؤلاء الناس الذين كانوا خليين من التعقل، وليسوا خليين من الحكمة، وليس ببعيد أن تكون تسميتهم بعقلاء المجانيين يصب في هذه الفكرة ذاتها، بمعنى أن غياب العقل عند هؤلاء كان غيابا ظاهريا كما يقول محيي الدين بن عربي: "إن جنونهم ما كان سببه فساد مزاج عن أمر كوني من غذاء أو غير ذلك، وإنما كان عن تجل إلهي لقلوبهم، وفجأة من فجآت الحق، فجأتهم فذهبت بعقولهم، وعقولهم محبوسة عنده، منعمة بشهوده، عاكفة في حضرته، متنزهه في جماله، فهم أصحاب عقول بلا عقول، عرفوا في الظاهر بالمجانين أو المستورين عن تدبر عقولهم، فلهذا سموا عقلاء المجانين" ( ). لقد اعتقدت العرب أن الجنون لا يضر بالشعر، لا بل قد يزيد من اتقاده وتوهجه كما هو الشأن عند مجنون بني عامر، وليس ذلك فحسب بل هنالك علاقة بين الشعر والجنون، تتفتق من خلال علاقة أخرى بين الشعر والجن كنا قد أشرنا إليها في مقدمة هذا البحث، إذ تآلف الجنون والإبداع مما يثبت فكرة الإلهام، فاذا كانت تلك الفكرة صحيحة، كان الجنون بمعنى الاضطراب في السلوك شيئا، والشعر شيئا آخر، بمعنى أن قوة الشاعرية تصدر عن قوة أخرى غير قوة الإدراك والعقل، وهذا ما يوضح المفارقة الناجمة عن الاختلاف بين السلوك والكلام المنظم اللذين كان يصدران عن الموسوسين في وقت واحد. ب. من الملاحظ أن أكثر الشعراء الموسوسين الذين أتى على ذكرهم البحث، أصيبوا بداء الوسوسة بعدما أسنوا، وهذا لا يعني أن تلك العاهة قد حجبتهم عن النظم، بل على العكس تماما، ذلك لأن سيرهم كانت موضع اهتمام بعد وسوستهم، وليست هنالك أخبار تذكر عن أحوالهم قبل الوسوسة، إلا ما كان يوضح حال الوسوسة التي أصبحوا عليها، فصارت الوسوسة عاملا لشهرتهم واهتمام الأدباء بهم، وليس ذلك فحسب بل إن الوسوسة أسهمت في تألق أشعارهم من الجهة التي تدل على تفرد الموضوعات التي تناولوها، وهي موضوعات تصب في تهذيب السلوك أو تفسيره، بغية نقله من الغرابة إلى الألفة. ج. امتاز الشعراء الموسوسون بحضور الجواب، وبيان الخطاب، وصفاء القريحة، وجودة النظم، ورقة الشعر وعمق المعاني وسموها بغير ابتذال ولا إسفاف في اللفظ. د. كانت خيالات الموسوسين قد بهرت النقاد، كخيالات أبي حية النميري مثلا، الذي قيل عنه: هو أكذب الناس تارة، وهو أجن الناس وأشعرهم تارة أخرى. ه. لبعض شعراء الوسوسة أقوال تحفظ وآراء يشار إليها في كتب الأدب كالذي روي عن مصعب الموسوس. و. اهتم نفر من الموسوسين بفن الإجازة وما يستلزمه ذلك الفن من مهارات في النظم ومعرفة بصناعة الشعر، وانتباه لتتميم المعاني وتوسيع الأفكار. ز. شغل كثير من الموسوسين بالذم والتهكم، وهو موضوع يدخل ضمن إطار النقد الاجتماعي الذي يرمي إلى تصحيح السلوك وتهذيبه، وهذا كان من طبعهم، لأتهم لم يتزلفوا ولم يمدحوا ولم يتقربوا إلى أهل السلطان، كما أن موضوعات شعرهم تكاد تنحصر في الجانب الذاتي الذي يصف السلوك ويجسد اللحظة التي تبرز مواطن الظرف والمتعة، وهو أمر ليس فيه غرض سوى التعبير عن حال الموسوس في أثناء تفاعله مع الأحداث التي تجري من حوله. ح. العالم الشعري الذي يحيط بأشعار الموسوسين محدد ومحصور في مجال الطرافة الأدبية، وهذه المسألة تجسد أهم غايات الأدب وهي الإمتاع، من أجل ذلك نجد أن تلك الأشعار والحكايات المرتبطة بها يمكن أن تكون أساسا للدراسات الجمالية المعاصرة، ذلك لأنها كما قلت لا تهدف إلى شيء أكثر من المتعة الفنية واللذة العقلية. \

عناصر مشابهة