المستخلص: |
يتناول هذا البحث ظاهرة دستورية، تتمثل في تفويض السلطة التنفيذية ممارسة اختصاص التشريع أثناء انعقاد البرلمان وبإذن منه, وهو ما يصطلح عليه بالتفويض التشريعي. وقد لجأت إليه بعض الدول غداة الحربين العالميتين، من أجل معالجة مخلفات الحرب من أزمات اقتصادية واجتماعية وغيرها والأخطار الناجمة عنها, باتخاذ إجراءات سريعة ورادعة تتفق وطبيعة الوضع. وتحت وطأة الضرورات العملية، كانت فرنسا من الدول التي سارعت للأخذ بالتفويض التشريعي، رغم عدم وجود نص دستوري يبيحه, مما أثار انتقادات الفقهاء الذين رفضوا هذا الأمر، واعتبروه مخالفًا للدستور والمبادئ العامة للقانون. لأنّ اختصاص التشريع ليس ملكًا للبرلمان يمكنه التنازل عنه، وإنما وظيفة عهد له بها الدستور ليمارسها بنفسه وفق القواعد الدستورية؛ باعتبار البرلمان مفوض من الشعب صاحب الاختصاص الأصيل لتسيير شؤونه والحفاظ على حقوق أفراده. وعليه ليس بإمكانه أن يفوِّض ما هو مفوًّض به أصلاً. وبقي الخلاف قائمًا بهذا الشأن إلى أن حسم دستور الجمهورية الخامسة الصادر سنة 1958 الموقف, ونص صراحة على جواز تفويض البرلمان جزءً من اختصاص التشريع للحكومة. أما الدول العربية فقد اختلفت مواقفها تجاه هذا الأمر: فمنها من رفضها صراحة كالدستور السوري الصادر عام 1950, ومنها من لم يبين موقفه من التفويض التشريعي كالدستور الأردني الذي سكت تمامًا عن الموضوع. أما المشرّع الدستوري الجزائري فيعتبر موقفه غامضًا تجاه هذه المكنة الدستورية، حيث نص في أوّل دستور للجمهورية بعد الاستقلال والصادر عام 1963 على جواز تفويض رئيس الجمهورية إصدار أوامر تشريعية؛ ولكنه تراجع عن هذا الموقف في باقي الدساتير التي جاءت فيما بعد، وهجر التفويض التشريعي، حيث منح الرئيس حق إصدار الأوامر التشريعية بنص صريح دون الرجوع للبرلمان. إلاّ أنّ معظم الدساتير الأخرى نصّت على الترخيص للبرلمان تفويض السلطة التنفيذية اختصاص التشريع بدلاً عنه في مسائل محددة تدخل أصلاً في نطاق القانون، وذلك خلال فترة محددة. فذهبت دساتير مصر المتعاقبة ابتداءً من دستور1956 إلى إجازة التفويض. وتردد ذلك بعدها في الدساتير التي تلته وصولاً للدستور الحالي والصادر سنة 1971؛ الذي منح هذه الرخصة لرئيس الجمهورية، باعتباره المسؤول الأول عن السلطة التنفيذية. لكن ولاعتبار التفويض التشريعي يمثل إجراءً استثنائياً، ويشكّل خطرًا على السلطة التشريعية، لأنّ السلطة التنفيذية تمارس اختصاص التشريع والبرلمان قائم. حرصنا على تبيان وتوضيح الشروط والضوابط التي تحكم تفويض جزء من صلاحيات السلطة التشريعية لتمارسها السلطة التنفيذية، وتحديد المدى الذي يبلغه هذا الاختصاص الاستثنائي, مع إلقاء الضوء على النقائص التي لمسناها في النصوص الدستورية محل البحث. كما بينت الدراسة أنّ الطبيعة القانونية المزدوجة للوائح التفويضية يترتب عليها خضوعها لرقابة الدستورية، لكونها تتمتع بقوة القانون التي منحها إياها الدستور. وتخضع لرقابة المشروعية باعتبارها قرارات إدارية، مما يعرّضها للإلغاء إذا لم تلتزم بقانون التفويض، أو خالفت قواعد الدستور. فالتفويض التشريعي يمثل حلاّ للأنظمة التي تمنح السلطة التنفيذية اختصاص التشريع في النطاق المخصص للقانون دون الرجوع للبرلمان صاحب الاختصاص الأصيل. من أجل تكريس احترام مبدأ المشروعية.
|