ارسل ملاحظاتك

ارسل ملاحظاتك لنا







غياب العلوم العربية في الجهود التفسيرية المعاصرة وخطره على مستقبل التفسير

المصدر: مجلة فقه اللسان
الناشر: الرابطة المحمدية للعلماء - مركز ابن أبي الربيع السبتي للدراسات اللغوية والأدبية
المؤلف الرئيسي: جيجك، محمد خليل (مؤلف)
المجلد/العدد: س1, ع1
محكمة: نعم
الدولة: المغرب
التاريخ الميلادي: 2016
التاريخ الهجري: 1437
الشهر: شتنبر / ذو القعدة
الصفحات: 63 - 81
ISSN: 2509-0917
رقم MD: 790637
نوع المحتوى: بحوث ومقالات
اللغة: العربية
قواعد المعلومات: AraBase
مواضيع:
رابط المحتوى:
صورة الغلاف QR قانون

عدد مرات التحميل

28

حفظ في:
المستخلص: لما خارت قوى العالم الإسلامي وفقد ثقته بذاته أخذ يقلد الغرب في كل أمره. فجعل يستورد المناهج التعليمية على علاتها من غير تمييز ولكن تلك المناهج لم توافق طبيعة العالم الإسلامي فأفقدته كثيرا من خصائصه وأضاعت عليه كثيرا من الفرص، كتلك المناهج التي خلفت آثارا حميدة، ومنها تلك الثروة الهائلة من العلوم. إن العربية لسان الكتاب والسنة وسائر فروع التراث الإسلامي فبدون التضلع من علومهما لا يمكن القيام حق القيام لا بالتفسير ولا بغيرها من فروع العلوم الإسلامية إذ للعربية خصائص جمة نعرضها على النحو التالي: إن الكلام العربي يحوز من قوة البيان، والاكتظاظ بالأسرار اللغوية، والخصائص البيانية ما لا تمتلكه عشرات اللغات. فله خصائص جمة من عدة جوانب: منها الجانب اللفظي، والجانب الاشتقاقي، والجانب الدلالي، والجانب التضمني، إلى ما فيه من نظام أصوات، وثراء معجم الكلمات، وكثرة تقاليبها، وغنى دلالاتها، تنوع مزاياها البلاغية، وما تمتاز بها من محاسن شتى. وإلى هذه الخصائص نجد للعربية خصائص أخرى هامة تتعلى بالبيان القرآني: إذ إن كتاب الله وسع من المزايا البلاغية الجمالية ما لا يحيط به العد، فمنها؛ إحاطته بأبدع الأساليب البيانية التي تربو على نحو من أربعين نوعا، ومنها القصد في اللفظ والوفاء بالمعنى؛ إذ من أهم خصائص البيان القرآني أن ألفاظه قليلة وعباراته وجيزة. ومنها تجنب التعقيدات اللفظية والمصطلحات الفنية؛ فلا يهتم بالتعاريف، والتقاسيم، والتفاريع العلمية المستعصية. ومن مزاياه أيضا الإجمال ثم التفصيل؛ وقد نال هذا الأسلوب مكانة كبيرة في البيان القرآني، فربا على غيره من الأساليب، ومنها مرونة الألفاظ وسعتها للكثير من المعاني، ومنها مواءمة مدلول اللفظ لسياق القول، ومنها جامعية النصوص الشريفة من خلال آياته وجمله. فهذه ثلة من خصائص الكتاب تدل على ما له من مكانة لغوية ودرجة سامية بيانية. وتقتضي أن يكون لدى الباحث -الذي يحاول كشف معانيه والإبانة عن مضامينه-من العلوم العربية رصيد علمي كاف؛ لأن علم التفسير لا يشبه أي علم آخر في تنوع مجالاته، وسعة مواضيعه. فكان لزاما أن يتضلع المفسر من العلوم الكثيرة، وسائر أنواع الثقافات الإنسانية، والمعلومات التاريخية، وأن يكون له خبرة واسعة بالكثير من أنواع الحكم والعلوم الإسلامية والاجتماعية. وخاصة أن هذه الأمور تتطلب عناية خاصة من المفسر بما يلي: فهم حقائق الألفاظ المفردة ومعرفة الإعراب، ومعرفة المجمل والمبين، ومعرفة الأساليب، وعلم أحوال البشر، ويحتاج في هذا إلى فنون كثيرة من أهمها التاريخ بأنواعه ويحتاج إلى علم الشرائع وصياغة الدساتير، وعلم التربية وغيرها مما يجدي من العلوم النافعة في استخراج الدروس والعبر والرسالات القرآنية، ثم العلم بوجه هداية البشر كلهم بالقرآن، فعلى الباحث المفسر أن تكون له خبرة واطلاع على ما يتيسر به الوصول إلى النفوس البشرية من تحد ومجادلة بالتي هي أحسن وترغيب وترهيب واستدلال وتفكير وتبصير. واشترط بعض أهل التحقيق في التفسير العلم بسيرة النبي – صلى الله عليه وسلم -وأصحابه، وما كانوا عليه من علم وعمل وتصرف في الشئون دنيويها وأخرويها فإن في القرآن الكثير من أحداث، السيرة النبوية. وأما حاضر البحث الأكاديمي في التفسير ومتطلباته فعلينا أن نفهم أولا تدني مستوى الباحثين العلمي في التفسير؛ فمن المسلم به أن الكشف عن مكنوناته لا يقبل السذاجة ولا البساطة في التأمل بل يبتغي تعمقا بالغا في الفكرة إلى حيث شاء الله، ويقتضي ذاك التعمق توسعا بالغا في العلوم العربية، وتزودا بسائر فنون المعلومات الأدبية، والعلوم الشرعية. ولا يكفي لمزيد من الكشف عن أسرار كلام الله أنه عربي يتكلم باللسان العربي. ألا ترى أن كثيراً منهم بمعزل عن تفهم أسرار كلام الله لما يعانونه من الضحالة العلمية والضآلة المعرفية؛ فتراهم لا يجيدون النطق السليم بكلام عربي بله الخوض في أغوار كتاب الله. فلطالما رأينا المتكلم منهم يلغي العامل في كلامه، ولا يفرق بين التقديم والتأخير، فتجاه هذه الداهية الدهياء يتوجه إلى أولى الأمر والخطر في المجتمعات العلمية أن يداركوا هذا الأمر قبل فوات الأوان، وذلك باتخاذ تدابير حاسمة لتنشئه جيل قرآني. فكم من الذين وصلوا إلى أقصى الدرجات الأكاديمية لا يستطيعون نصر أنفسهم مما سقط فيه غيرهم، ولا يمكنهم أن يفهموا آية واحدة بقواعدها ومداخلها ومخارجها ولكنهم نسوا أنفسهم وما هي فيها من الجهالة والرطانة. ولهذا الوضع الخطير نتائج سلبية على مستقبل التفسير: ذلك أن من يحاول تفسير كتاب الله إن لم يكن لديه زاد تام من العلوم فلا يمكنه أن يدرك محاسن كلام الله البلاغية ولا يتأتى له أن يرشد إلى مكامن الإعجاز ولا استنباط شيء من الأحكام. وفي كلام الله كثير من الدروس والعبر لا يطلع عليها إلا من كان محنكا عالما باستخراج المعاني ووجوه الدلالات. إن الاطلاع على كثير من محاسن النظم والدلالات والنكات في نصوص الآيات إنما هي مرهونة بأن يكون المفسر متضلعا من العربية وخبيرا بالأسرار والدلالات. ولكن إذا رجعنا إلى أنفسنا نحن معاشر الباحثين الأكاديميين في هذا العصر، وجدنا أنفسنا –غالبا-صفر اليدين من زاد تلك العلوم. فكثير من الباحثين في قسم علوم القرآن لا يعرفون أبسط القواعد اللغوية كموضوع الفاعل وكأنواع الكلام وأقسامه، والمجاز والكناية، دعك مما يحمل التعقيد كأبواب الاشتغال والتنازع والإيجاز والإطناب والمساواة وغيرها. وإذا استمر هذا الوضع الخطير، فإنه يخشى على عاقبة التفسير من ضياع كثير من الميراث البلاغي الذي يعنى بالكلام المجيد؛ بحيث يصير القرآن المبين في أيدي باحث التفسير كسائر النصوص الأخرى، خلوا مما يمتلكه من تلك المحاسن الجمة والإشارات الرائقة، فكيف سيعي الباحث تلك المنزايا وكيف سيدرك جماليات النص، وهو متوقف أمامن النص مشدوه لا يدري ما يفعل.

ISSN: 2509-0917