ارسل ملاحظاتك

ارسل ملاحظاتك لنا







الفصحى وعامياتها بين تجليات "الكائن" وتصورات "الممكن"

المصدر: أعمال الندوة الدولية : الفصحى وعامياتها - لغة التخاطب بين التقريب والتهذيب
الناشر: المجلس الأعلى للغة العربية ووزارة الثقافة الجزائرية
المؤلف الرئيسي: الموسى، نهاد ياسين (مؤلف)
المؤلف الرئيسي (الإنجليزية): Al-Mousa, Nihad Yassin
محكمة: نعم
الدولة: الجزائر
التاريخ الميلادي: 2007
مكان انعقاد المؤتمر: الجزائر
الهيئة المسؤولة: المجلس الأعلى للغة العربية ووزارة الثقافة
الشهر: يونيو
الصفحات: 44 - 79
رقم MD: 806205
نوع المحتوى: بحوث المؤتمرات
قواعد المعلومات: AraBase
مواضيع:
رابط المحتوى:
صورة الغلاف QR قانون

عدد مرات التحميل

102

حفظ في:
المستخلص: أقيمت صفة العربية الفصحى على ائتلاف عريض من اللهجات التي كانت سائدة في الجزيرة العربية عند نزول القران، وقد هيأ لها نزول القران بها" على سبعة أحرف أن تكون هي النموذج اللغوي المعتمد. وأصبحت على صفتها تلك نموذج التعلم ومعيار الصواب وامتدت في المدون فكانت لسان التراث العربي الإسلامي الممتد وما تزال حتى يومنا هذا، ولكن اللهجات العربية القديمة بما أن هي لسان التخاطب اليومي قد مضت في طريق التطور بفضل عوامل لغوية واجتماعية وزمانية متشابكة، وبقيت العلاقة بين تلك اللهجات المتطورة وأصولها التاريخية التي قامت عليها صفة العربية ظاهرة على مستويات شتى حتى ليخال كل ناطق بلهجته المحكية اليوم أنها أقرب اللهجات إلى العربية الفصحى. ولكن هذه اللهجات المحكية قد فارقت الفصحى في إحدى أبرز خصائصها وهي الإعراب وهو الفرق الحاسم بين ما سماه ابن خلدون اللسان المضري ولغات الأمصار (وهي صنو اللهجات العامية المحكية في أيامنا). وقد أفضى هذا الصدع الذي نجم عن افتراق اللهجات المحكية عن أصلها المشترك الجامع (وهو الفصحى) إلى نشوء الازدواجية. أصبح لدينا مستويان لغويان رئيسان: الفصحى وهي النموذج اللغوي الذي نتعلمه، والعامية وهي النموذج اللغوي الذي نكتسبه اكتسابا ويستحوذ على البرنامج اللغوي الأول في الدماغ لدى الناطقين بالعربية. وجرى العرف بأن للفصحي مواقع ووظائف هي مواقع المدون والثقافي والرسمي، وللعامية مواقع ووظائف هي مواقع الشفاهي واليومي. ولكن هذا الواقع الازدواجي قد أعقب في حياتنا اللغوية حالة من اللجلجة بعبارة شكري فيصل، ونجم عن تلاقح الفصحى المتعلمة والعامية المكتسبة مستوى لغوي ثالث هو العربية الوسطى أو عربية المتعلمين المحكية، وهو يشبه أن يكون سليقيا لدى سواء المتعلمين وهو يتجاوز غريب العاميات، ويعدل كثيرا من تحولاتها الصرفية، ولكنه ما يزال يقصر عن بلوغ الفصحى بما أنه غير معرب على الجملة، وينفتح مشهد التداول بالعربية على تجليات شتى تتنازعها شروط مختلفة، أما التجليات فتسلسل من الفصحى (في أداء التنزيل) إلى الفصيحة بالفعل في الشعر والأداء المعد كما في نشرات الأخبار والتقارير الوثائقية والإعلانات المدبلجة بالعربية لترويج البضائع في الفضاء العربي، والفصيحة بالقوة وهي العربية المكتوبة فإنها لا تكون فصيحة بالفعل إلا إذا تحققت لها شروط القراءة الصحيحة، وشبه الفصحى وهي ما طوره مراسلو الفضائيات بحافز مهني من أجل الاقتراب من لغة النشرة الإخبارية، والعربية الوسطى وهي النموذج الذي نجم عن تلاقح الفصحى المتعلمة والعامية المكتسبة، والعامية وهى التي نكتسبها اكتسابا وهى لغة الأميين والأميات، بل نجمت إلى جنب ذلك، لعوامل تعود إلى عصر الاستعمال القديم، وعصر العولمة وانفتاح الأسواق والآفاق نماذج لغوية مهجنة عربية إنجليزية، وعربية أردية، وعربية فرنسية. وتتنازع هذه التجليات شروط مختلفة، فالمقدس، والتراثي، والتواصل العربي، يكون بالفصحى. والبراجماتي يتردد بين تلك التجليات على وفق المقاصد، وغلبة المكتسب العامي تفضي إلى مستوى بين بين، والانبهار بالأخر تفضي إلى تهجين الفصحى بل العامية بالإنجليزية أو الفرنسية. إلخ وتتفاوت مواقف أبناء العربية من هذه التجليات لأنهم يقاربونها من أبعاد شتى متقاطعة متفاصلة، وتبقى العاميات بطموحها المتصاعد للانتشار بما تتيحه لها الفضائيات الخاصة هاجسا مؤرقا إذ أنها تنمى نزعات جهوية بما هي رموز لأقاليمها. ويصبح تغليب الفصحى بما هي اللسان الجامع بمزاياه المتعارفة مشروعا حيويا للأمة. إن تغليب الفصحى في هذه الأطروحة يتمثل في تدبيرين؛ تدبير لغوي خالص يستقرئ صفة العربية التاريخية بما كانت لغة منطوقة، ويتحرى نموذجا فصيحا منطوقا عفويا تلقائيا ينأى بنا عن ظن بعض الناس أن استعمال الفصحى في مواقف المشافهة يفضي بنا إلى التكلف والاصطناع؛ ذلك أننا نرى أن العلة هنا تكمن في استعمال الفصحى المنطوقة على مثال العربية المكتوبة، وحجتنا في هذه الأطروحة أن العربية الفصحى كانت لغة منطوقة وأن إحياء ما في قواعدها من رخص الحذف والاجتزاء واعتبار موقف الخطاب... إلخ يقدم لنا نموذجا فصيحا للخطاب الشفوي يتصف بالتلقائية وينأى عن التكلف ولا ينأى عن أصله الفصيح. ويشفع هذا التدبير إحياء الجهود التي بذلها أهل العصر من المجامع والأفراد في تأصيل كثير من العامي في الفصحى وتأنيس العاميات بالمشترك فيما بينها من المحيط إلى الخليج. أما التدبير الثاني فينتسب إلى التخطيط اللغوي ويتمثل في طائفة من الإجراءات المبرمجة لإشاعة الفصحى وترويجها في دورة حياة الآمة على كل مستوى، وهي إجراءات تقتضي تهيئة الشروط والوسائل الفنية لتقبلها، وتشكيل الوعي اللازم للتحقق بمزاياها وجدواها. ويكون من وجوه هذا التدبير "عقلنة" الاقتصادي بجدوى الفصحى في تحقيق مدى أوسع للمنفعة، بل بمزايا الفصحى في جمالياتها على العامية بمحدوديتها واستغلاقها، وتحفيز المعلم بالمردود المادي للارتقاء بأدائه كما كان شأن الإعلامي الذي أخذ يرتقي بأدائه بالحافز المهني، وإيقاظ احتفاء العربي بالفصحى رمزا جامعا للامة وبديلا يفضل الانكفاء الجهوي الذي يضيق عنه طموح العربي إلى منزل كريم في المشهد الكوني.