المستخلص: |
ذكر الغزالي في كتابه "المناقذ من الضلال"، تقليبه النظر في أحوال الناس، لاسيما الفرق المختلفة المناهج، المتباينة المشارب، باحثا عن الحقيقة وأسباب الوصول إليها؛ وأن خبرته في ذلك استهلكت قدرا معتبرا من عمره وحياته، فمن قبل سن البلوغ مرورا بعنفوان الشباب إلى بلوغ ما نيف على الخمسين، وهو يقلب النظر ويخوض التجارب ويفحص المذاهب، مستكشفا أسرار كل طائفة. وأكد الغزالي أن الله تعالى زرع في نفسه حب الاجتهاد وكراهية التقليد، فسعى لطلب الحقائق في العلوم، وتمييز الحق عن الباطل. وحدد الغزالي العلم اليقيني بأنه الذي ينكشف فيه المعلوم انكشافا لا يبقى معه ريب، بحيث لا يمكن احتمال الغلط والوهم "بل الأمان من الخطأ ينبغي أن يكون مقارنا لليقين". ثم بدأ الغزالي رحلته في طلب اليقين؛ فظن ذلك في الحسيات، لكنه لم يأمن عليه الخطأ، فشكك فيها، ثم انتقل الغزالي إلى العقليات طلبا لتحصيل برد اليقين، فما لبث أن شكك فيها أيضا. حتى مر بحال فقد فيه اليقين بالحسيات والعقليات واستمر على ذلك قريبا من شهرين، يذكر أنه كان فيهما على مذهب السفسطة بحكم الحال لا بحكم المقال، حتى شفاه الله من هذا المرض، ورجعت الضروريات العقلية مقبولة موثوقا بها على اليقين، ولم يكن ذلك بالدليل وترتيب الكلام، بل بنور قذفه الله تعالى في الصدر، وذلك النور هو مفتاح أكثر المعارف، وقد صنف الغزالي الناس في طلب العلم إلى أربعة أصناف: المتكلمون، والباطنية، والفلاسفة، والصوفية. وذكر الغزالي أن الحق لا يعدو هذه الأصناف الأربعة، ثم بدأ يستعرضها صنفا صنفا، ويذكر ما فيها من محاسن وما فيها من المثالب والقصور. ورجح الغزالي طرقة أهل التصوف في تحصيل المعرفة وذهب يقررها، ويؤكد عليها في كتابه هذا وفي كتابه الإحياء، وهو موضوع هذا البحث مناقشة وتحليلا. ذكر الغزالي في كتابه "المنقذ من الضلال" والذي يعد من أميز كتبه إن لم يكن أميزها، تقليبه النظر في أحوال الناس، لاسيما الفرق المختلفة المناهج، المتباينة المشارب، باحثا عن الحقيقة وأسبابا الوصول إليها؛ وأن خبرته في ذلك استهلكت قدرا معتبرا من عمره وحياته، فمن قبل سن البلوغ مرورا بعنفوان الشباب إلى بلوغ ما نيف على الخمسين، وهو يقلب النظر ويخوض التجارب ويفحص المذاهب، مستكشفا أسرار كل طائفة؛ فلم يترك باطنيا إلا وأحب الاطلاع على باطنيته، ولا ظاهريا إلا وسعى للوقوف على ظاهريته، ولا فيلسوفا إلا وقصد على معرفة كنه فلسفته، ولا متكلما إلا واجتهد في الاطلاع على غاية كلامه ومجادلته، ولا متصوفا إلا وحرص على معرفة سر صفوته، ولا زنديقا إلى تحسس لإدراك جرأته في تعطيله وزندقته، وكل ذلك اجتهادا منه في درك الحقائق ( ). وأكد الغزالي على أن الله تعالى زرع في نفسه حب الاجتهاد وكراهية التقليد فسعى لطلب الحقائق في العلوم، وتمييز الحق عن الباطل. وحدد الغزالي العلم اليقيني بأنه الذي ينكشف فيه المعلوم انكشافا لا يبقى معه ريب، بحيث لا يمكن احتمال الغلط والوهم "بل الأمان من الخطأ ينبغي أن يكون مقارنا لليقين، مقارنة لو تحدى بإظهار بطلانه- مثلا- من يقلب الحجر ذهبا والعصا ثعبانا، لم يورث ذلك شكا وإنكارا، فإني إذا علمت: أن العشرة أكثر من الثلاثة، فلو قال لي قائل: لا بل الثلاثة أكثر، بدليل أني أقلب هذه العصا ثعبانا، وقلبها، وشاهدت ذلك منه، لم أشك بسببه في معرفتي، ولم يحصل لي منه إلا التعجب من كيفية قدرته عليه" ( ). ثم بدأ الغزالي رحلته في طلب اليقين؛ فظن ذلك في الحسيات، لكنه لم يأمن عليها الخطأ، بدليل ما تراه العين من ثبات الظل وهو في الحقيقة متحرك، ومن رؤية الكوكب صغيرا وهو في الحقيقة أكبر من جرم الأرض، بهذا وأمثاله من المحسوسات يحكم فيها حاكم الحس بأحكامه ويكذبه حاكم العقل ويخونه تكذيبا لا سبيل إلى مدافعته. فينتقل الغزالي إلى العقليات طلبا لتحصيل برد اليقين، فما لبث أن شكك فيها، بسبب احتمال أن تكون هناك طريقة مكذبة للعقل، وإن لم يعلمها، فعدم العلم بها ليس دليلا على عدمها. وأن الغزالي مر بحال فقد فيه اليقين بالحسيات والعقليات واستمر على ذلك قريبا من شهرين، يذكر أنه كان فيهما على مذهب السفسطة بحكم الحال لا بحكم المقال، حتى شفاه الله من هذا المرض، وعادت النفس إلى الصحة والاعتدال، ورجعت الضروريات العقلية مقبولة موثوقا بها على اليقين، ولم يكن ذلك بالدليل وترتيب الكلام، بل بنور قذفه الله تعالى في الصدر وذلك النور هو مفتاح أكثر المعارف، فمن ظن أن الكشف موقوف على الأدلة المحررة فقد ضيق رحمه الله تعالى الواسعة ( ). هكذا رأى الغزالي.. وقد صنف الغزالي الناس في طلب العلم إلى أربعة أصناف: 1. المتكلمون أصحاب الرأي والنظر. 2. الباطنية أهل الاقتباس من الإمام المعصوم. 3. الفلاسفة الذين يزعمون أنهم أصحاب المنطق والبرهان. 4. الصوفية الذين يدعون أنهم أهل المشاهدة والمكاشفة. وذكر الغزالي أن الحق لا يعدو هذه الأصناف الأربعة ( )، ثم بدأ يستعرضها صنفا صنفا، ويذكر ما فيها من محاسن وما فيها من المثالب والقصور. ورجع الغزالي إلى طريقة أهل التصوف في تحصيل المعرفة وذهب يقررها، ويؤكد عليها في كتابه هذا وفي كتابه "الإحياء" وغيرهما من كتبه، وهو موضوع هذه الورقة مناقشة وتحليلا..
Imam Abu Hamid al-Ghazali (450-505 AH) has demonstrated in his book, al-Munqidh min al-Dalal (Rescuer from Misguidance), his own considerations of and introspections into humanity, especially in terms of their beliefs and doctrines, which are too varied to discover their reality. In this book, al-Ghazali explained the ways to explore the reality of human dogmas and how to explore them, mentioning that his experience has consumed a great part of his lifetime in order for him to develop and attain this purpose. From his tender years before his puberty age, through adolescence and into sagacious adulthood, he kept pondering over different doctrines and dogmas, experiencing and exploring the secrets of the cults believing in these doctrines. Al-Ghazali assertively believed that Allah has deeply rooted in his soul the love of for ijtihad - the endeavour of a Muslim scholar to derive a rule of divine law from the Koran and Hadith without relying on the views of other scholars, and an abhorrence of imitation and mimicry. So he was always after seeking knowledge and the facts of sciences, with which to discriminate between right and wrong. Al-Ghazali stated that in his quest for true knowledge defined certain knowledge (ilm alyaqeen) as factual convictions divulged to the scholar with no doubt therein, in fashions where fallacy or fault may have no place. This indicates that to seek certain knowledge, one has to free himself up from fallacious knowledge, and to seek certainty. Al-Ghazali started his quest for certain knowledge, so he started in materialistic things, but they were prone to fallacy, so he rejected materialism and raised doubts thereof. In this idiosyncratic quest for certainty, he shifted to rational thinking in the abstract in order to enjoy the self-complacency of certainty, but very soon rejected it with dubiety. In the limbo of doubt, he lost faith in the materialistic and the abstract for a matter of two months. Anecdotal report tell that he was in a philosophical state of dubiousness and fallacious thinking in action though not expressly in words. Then God helped him to pass through this cognitive illness, reverting to his faith by returning to a sound thinking state by necessity; this helped him to ascertain to certain knowledge as intellectually accep
|