المستخلص: |
أقف عند هذه القضية الخلافية، التي تفتح لنقاشنا أفقا واسعا. وأريد أن أختم بنصيحة لا تخلو من الحكمة، أقتبسها من ماكس فيبر، من محاضرته المشهورة حول «السياسة بوصفها صنعة»، توجه فيها بالخطاب إلى شباب من محبي السلام، مباشرة عقب الحرب العالمية الأولى. لقد اعترف لهم بأن السياسة تشطر الأخلاق، بالضرورة، شطرين: أولهما خلق الاقتناع، الذي يمكن تعريفه بأنه سمو الأولى، والثاني خلق المسؤولية، المعرف بكونه ما يقبل التحقق في سياق تاريخي معطى، أو هو، يضيف فيبر، استعمال معتدل للعنف. ولأن خلق الاقتناع وخلق المسؤولية لا يمكن أن يندمجا اندماجا كاملا، فإن الأخلاق والسياسة تشكلان فضاءين متمايزين، بالرغم من كونهما متقاطعين. فلتلتمسوا لي العذر على تركيزي على التقاطع بين الأخلاق والسياسة، أكثر من تركيزي على الفارق، الذي يفصل بين المناطق الخاصة بالفضاء الأخلاقي وتلك الخاصة بالفضاء السياسي. ويبدو لي أن إهمال التقاطع بين الأخلاقي والسياسي، في أيامنا هاته، أكبر من خطر الخلط بينهما. ولعل مما يفاقم من نزعة احتقار التقاليد والأفكار ذلك الاعتراف، البريء في ظاهره، بالهوة الفاصلة بين المثالية الأخلاقية الجامعة والواقعية السياسية. وعلى النقيض، فإن هاجس إضفاء معنى على التزام المواطن، الالتزام التعقلي والمسؤول، هو الذي يقتضي منا أن يكون انتباهنا إلى التقاطع بين الأخلاقي والسياسي أكبر منه إلى اختلافهما المحتوم.
|