المستخلص: |
ما هذا الذي أسميه (تصنيم) المبادئ؟ وأيضا تصنيم النصوص والأفكار؟ إنه أكثر من مجرد التقديس؛ لأنه يجعل من المبدأ أو الفكرة أمرا قابلا لأن يمثل للذهن في صورة مادية أو فظة هي الصنم أو الوثن؛ مع فارق أساس أشار إليه اللسان العربي وهو أن الوثن هو العلة المادية (خشب أو حجارة)؛ والصنم هو العلة الصورية (صورة حيوان أو إنسان أو إله). التصنيم هو شكل من أشكال إضفاء صورة أو فكرة على المادة اللغوية أو النظرية أو الإيديولوجية مع تغليفها بألف حجاب من العزة والأنفة؛ أي المدخل العفوي والأساس نحو الذود عن هذا التصنيم بالحجة تارة وبالعنف تارة أخرى. التصنيم شكل من أشكال التصنيع؛ صناعة تعبر عن احترافية في فبركة الصنم الفكري أو الإيديولوجي، وتقول الجلفية من حيث ترسيخ هذا الصنم في الذهن أقنوما ثابتا أو فكرة منتصبة، لا يعتريها التبدل أو لا تبادر هي بذاتها في الانزياح والمراجعة من باب الانعكاس (réflexivité)، الذي تتميز به في الوجهين: وجه العودة إلى الذات (zurück retour vers soi, selbst)، ووجه التأمل والمبادرة النقدية. يعمد الثابت إلى تجميد المتحول وإيقافه في زمن غابر؛ زمن يدل كذلك على تراكم العبار، لا على تقدم أو سيرورة، يأتي التفكير في ظاهرة التصنيم بناء على تأملات في فكرة رونية جيرار 1923- 2015 (René Girard) حول ظاهرة (الرغبة في المحاكاة) (le désir mimétique)، التي يمكن تعريبها بـــ (الافتتان) على المستوى الأنطولوجي المبدئي، مدخلا نحو (الفتنة) على صعيد الاجتماع البشري والشرط الأنتربولوجي والسياسي. كيف يؤول التصنيم إلى حالة من الافتتان هي، في الوقت نفسه، تناقض ظاهر (oxymoron) بين الجبذ والنبذ، بين الاستقطاب والاستبعاد؛ أي بين تعيين الضحية صاحبة الفتنة والارتقاء بها إلى مصاف السلم بعد التضحية بها واستتباب الأمن؟ كيف تجلت هذه الظاهرة تاريخيا في الإسلام تبعا لما سمي الفتنة الكبرى؟
|