المستخلص: |
إن من عدل الإسلام وإنصافه مع غير المسلمين؛ عدم تصنيفهم في ميدان واحد، وإنما يقع الحكم عليهم بحسب موقفهم من الدين وعلاقتهم بالمسلمين، فلذلك وجدنا ما اصطلح عليه بـ" أهل الذمة، وأهل العهد، وأهل الحرب"، وليس من وراء هذا التفصيل والتمييز إلا التمييز في المعاملة، والوقوف عند شروط كل واحد منها بالاعتبار السابق، لكن الذي حدث اليوم هو تغير الظروف التي أنتجت هذا التقسيم، حيث أوجدت أمر واقعا مختلفا عن الوضع السابق، الشيء الذي يستوجب إعادة النظر والفكر، ومراعاة الظروف الجديدة الطارئة. فهناك تداخل اليوم بين الأمم، تداخل يصعب معه تحديد هذه الأطراف (أهل الذمة، وأهل العهد، وأهل الصلح) على اعتبار أنه يمكنك أن تجد هذا التقسيم في البلد الواحد حينما تتداخل سياسته، ناهيك عن تخلف بعض الفئات التي فرضها التقسيم السابق (أهل الذمة). ولعل الذي أعاق تجاوز هذه التقسيمات القديمة هو الحنين إلى الماضي (المجيد) الذي مثلها، والعجز عن التجديد والإبداع بصفة عامة داخل منظومة (الفقه الإسلامي)، فبقي المسلمون أسرى هذه التقسيمات يدورون في فلكها بعجز تام. ونسي المسلمون أن هناك أحكاما إسلامية شرعت حينما كان المسلمون جماعة لا تغلب من قلة، وكان الدين ظاهراً لا يقف حياله أحد. أما قبل القوة والغلبة فكانت أحكام أخرى تختلف رأساً مع أحكام القوة، لأنه لا سبيل إلى تطبيقها وتنزيلها، ومشكلة بعض المسلمين اليوم تكمن في محاولة إنزال أحكام القوة في وقع ضعيف ومتخلف. لا يقوى فيه المسلم على حماية نفسه وتدينه في البلد الإسلامي، بل وقد ينعم في بلاد الكفر! لم يستطع هؤلاء استيعاب الواقع وتغيراته، فعاشوا بفهم القرون الأولى لا بروح فهمهم، فضلوا وأضلوا. ومن أمثلة هذه الأحكام؛ أحكام مخالفة اليهود والنصارى وعدم مشاركتهم في طريقتهم، فقد رأى بن تيمية أن هذه الأحكام لمم تشرع إلا بعد تمكن المسلمين، أما قبل التمكن فقد "يستحب للرجل أو يجب عليه أن يشاركهم أحيانا في هديهم الظاهر، إذا كان في ذلك مصلحة دينية من دعوتهم إلى الدين، والاطلاع على باطن أمرهم لإخبار المسلمين بذلك، أو دفع ضررهم عن المسلمين». فالمعتبر إذن هو مصلحة الدين ومصلحة المسلمين التي يستدعيها واجب الوقت والحال، وليس هناك ديانة أفضل لغير المسلمين أنفسهم من الإسلام وأحكامه، وهو ما جاء مضمنا في متن هذا البحث، لكن شريطة أن يحقق المسلمون الاستخلاف في أنفسهم أولا لكي يكونوا شهداء على الناس بعد ذلك، فلن تحقق الأمة الشاهدة الرحمة للناس إن لم تحققها لنفسها ومع بعضها البعض ابتداء. وفي الأخير أضع بين يدي القراء الكرام هذه التوصيات المقتضبة: التوصيات - ضرورة الاشتغال اليوم أكثر على قضية الأقليات غير المسلمة، وإيلائها حقها من الاهتمام أملا في تحصيل التعايش الحضاري المشترك. - المتن العاشوري غني جدا غنى صاحبه، يمكن الانطلاق منه لإيجاد أرضية مشتركة يتوافق عليها أبناء الوطن الواحد في مسعاهم السلمي الحضاري. - إعادة قراءة نصوص الوحيين على ضوء الفهم الصحيح لسلف الأمة، دون إغفال المتغيرات الواقعية التي تؤثر في الحكم، وكذلك العلل والغايات التي أنيطت بها الأحكام الشرعية لتحقيق المقصود الشرعي منها.
Praise be to Allah, peace and blessings be upon his Messenger; The subject of non-Muslims is one of the main topics for many people today. One can observe a strong presence of this topic in the glorious Islamic history since its inception. This is because of the human diversity as a natural will of God in his creation, and because of the prior existence of followers of previous holy religions. Islam as a new religion that came for the whole mankind would not skip this issue without speaking of instructions and guidelines for Muslims to follow while dealing with non-Muslims in various cases and contexts, especially that this would establish peaceful coexistence among nations and achieve the minimum level of coexistence between people from different religions in a civilized and controllable manner. The Islamic religion has undertaken this task since it is last heavenly religion, and the prophet Muhammad, peace be upon him, is the last messenger. This represents an honor and a responsibility to him and to his nation after him as the Muslims must consider at all times, that the well treatment of non-Muslims is a sort of worshiping to their Lord and a reflection of the guiding noble message of Islam, as well as a demonstration of the legacy of the Islamic nation in it and civilization. This also goes in line with the contemporary calls for peaceful coexistence and cultural tolerance as a sign of greatness in the nations and religions. Islam, as we know, is a religion that comprises a divine guidance that is bestowed upon the Muslims to be spread in the wide worldly horizon, which certainly should be maintained by good cohabitation and high ethical manners in dealing with non-Muslims.
|