المستخلص: |
تمثل العولمة تحديا للهوية الكلية والهويات الفرعية، وفي ظل العولمة وأيديولوجيتها الديمقراطية الليبرالية التي نادى بها فرانسيس فوكوياما في مقالته نهاية التاريخ ١٩٨٩ م، وفي ظل الديمقراطية الليبرالية؛ جرى ظهور الهويات الفرعية تحت شعارات: حق تقرير المصير والتدخل الإنساني لتقسيم الدول. وتقدم العولمة النموذج الأمريكي الذي يراد تصديره للشعوب وفرضه عليهم، ما جعل البعض يطلق عليه أحيانا "الاستعمار الليبرالي الجديد". ويحاول الغرب فرض العولمة من خلال القوة الناعمة، مصدرا شعارات مثل الحرية والمساواة والعدل، وهي أبعد ما تكون عن الممارسة تجاه الشعوب الأخرى. وحيث إن هوية الأمة تمثل شخصية الأمة وتراثها وحضارتها، ووعاء الضمير الجمعي لا التكتل البشري العشوائي؛ لأنها تشمل قيم وعادات ومقومات وعي الجماعة وإرادتها في الوجود والحياة داخل نطاق الحفاظ على كيانها؛ لذلك يجب المحافظة عليها، وقد حاول الاستعمار عبر تاريخه في المنطقة طمس الهوية الإسلامية وشجع الهويات الفرعية لتفكيك الأمة وإدخالها في دوامة الصراعات الداخلية والحروب الأهلية. إن العولمة التي روج لها بعد انهيار الاتحاد السوفيتي السابق وبروز النظام الأحادي القطبية الذي يعني هيمنة الولايات المتحدة على النظام الدولي، اعتبرت العولمة تحديا للهوية بمختلف أشكالها. في تراثها وحضارتها، وقيمها وعاداتها. وقد شهدت فترة الاستعمار في القرن التاسع عشر محاولات التبشير بإثارة الهوية القومية، والتركيز عليها كما أثارت الحركات القومية التركية والفارسية والعربية والكردية والبربرية وغيرها في محاولة لإضعاف الرابطة الإسلامية ومحاولة طمس الهوية الإسلامية. ونستطيع القول: إن عصر العومة الجديد يعد استمرارا للحقبة الاستعمارية ولكن بوسائل أخرى وشعارات أخرى كشعار الديمقراطية الليبرالية، وكان الغزو فيها ثقافيا في اللغة والمفاهيم حتى في المأكل والملبس، كما هو الهجوم على الحجاب للمرأة المسلمة في الغرب، ولكن تبقى الهوية الإسلامية قوية تتحدى كل المحاولات لأن الإسلام مبدأ حياة يشمل الأنظمة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وصالح لكل زمان ومكان لأنه يقوم على العدل والمساواة وحفظ كرامة الإنسان، وما زال الإسلام ينتشر في بقاع الأرض، وستبقى الهوية الإسلامية تحوي الهويات الفرعية متحدية للعولمة التي أخذت في التراجع والأفول حيث فشلت الرأسمالية والديمقراطية الليبرالية في تحقيق الحياة الكريمة والحرية والكرامة والعدالة للشعوب، بل انتشرت ظاهرة العنصرية واليمين المتطرف واحتلال الدول في ظل العولمة.
|