المصدر: | مجلة المجمع العلمي |
---|---|
الناشر: | المجمع العلمي العراقي |
المؤلف الرئيسي: | الشمري، مجيد نوط عبيد (مؤلف) |
المؤلف الرئيسي (الإنجليزية): | Al-Shammari, Majeed Noot |
المجلد/العدد: | مج69, ج2 |
محكمة: | نعم |
الدولة: |
العراق |
التاريخ الميلادي: |
2022
|
التاريخ الهجري: | 1443 |
الشهر: | آيار |
الصفحات: | 251 - 252 |
رقم MD: | 1279578 |
نوع المحتوى: | بحوث ومقالات |
اللغة: | العربية |
قواعد المعلومات: | AraBase, HumanIndex |
مواضيع: | |
رابط المحتوى: |
الناشر لهذه المادة لم يسمح بإتاحتها. |
المستخلص: |
نال الاشتغال بفلسفة المعنى والمبنى في دائرة الدراسات اللغوية والأدبية على حد سواء قيمة معرفية واسعة، تأتي من كون المعنى هو المنتج للمعرفة، والمضطلع بمهام أساسية في تكوينها، وفي تأسيس هويتها، والمحافظة على مفاهيمها. وقضية المعنى والمبنى تعود في أصولها من منظار تاريخي إلى عهود موغلة في القدم ترتبط بالفكر اليوناني، لأنها قضية ذات طابع إنساني لغوي يقوم على فلسفة اللغة وكيفية نشأتها، ودلالاتها على المعاني الموضوعة لها. وبما أن كل فلسفة معاصرة ترجع في أصولها الفكرية إلى أثر فلسفي قديم مثلما ذكر الناقد عبد الله الغذامي الذي قال: (لو تأملنا الفلسفة الحديثة لكل مدارسها لوجدنا أفلاطون وأرسطو مخبوئين في ثنايا كل فكرة فلسفية، ولا يستطيع التطور إلغاء الجينات الوراثية في دماء الفكر المعاصر). فقد كشفت الدراسات اللسانية القديمة والمعاصرة أن الأصول التي نهضت بنظرية المعنى والمبنى كانت موضع اهتمام العلماء العرب الذين شغلتهم الأفكار الأرسطية وكان على رأسهم الجاحظ، فقد استوعبوا نظريتي أرسطو (المادة والصورة) التي تعد المبدأ الأول في الوجود الذي أقام عليه أرسطو نظريته في الوجود والفن، وقد أجمع المختصون في المجال الفلسفي على الربط بين هذا المبدأ الفلسفي العام ونظريته في الفن، فكتب عبد الرحمن بدوي يقول: (أن الفن الأرسطي يرجع أولا إلى المبدأ الأصلي الذي أقام عليه نظريته في الوجود). ونظرية (المحاكاة) التي شغلت النقاد والفلاسفة العرب كالفارابي وابن سينا، وقد استثمرها ابن جني أروع استثمار نظريا وتطبيقيا في اللغة والنقد، مما يدل على استيعابهم لهذه النظريات استيعابا معرفيا عميقا، مكنهم من الإضافة إليها، ولاسيما في الميدان اللغوي مثلما نجد ذلك في نظرية (الاشتقاق الكبير) ونظرية (نشأة اللغة) والمجاز. وكذلك وقفوا على ما انتهى إليه الفلاسفة الهنود اللذين تحدثوا عن ثلاثة أقسام تمثل فلسفة المعنى والمبنى وهي (الكلمة والإدراك والمعنى). أن العلماء العرب كانوا في استقصائهم لقضية المعنى والمبنى على وعي تام بالموضوع، فقد تجاوزوا مسألة الانتصار لهذا الشق أو ذاك، إلى محاولة حصر منطقة التفاعل والتلاقي بين العنصرين. وإذا كانت العرب قد عنيت بألفاظها فلا يعني هذا إغفالها لمعانيها، بل من أجل تلك المعاني كانت عناية العرب بالألفاظ لرفعة شأنها في نفوس المتلقين وعقولهم وتحقيق مقاصد المتكلمين، حيث أفرد ابن جني في كتابه الخصائص بابا هو: (باب الرد على من أدعى على العرب عنايتها بالألفاظ وإغفالها المعاني) واستهله بالقول: (اعلم أن هذا الباب من أشرف فصول العربية وأكرمها، وأعلاها ووانزهها، وإذا تأملته عرفت منه وبه ما يؤنقك، ويذهب في الاستحسان له كل مذهب بك، وذلك أن العرب مثلما تعنى بألفاظها فتصلحها وتهذبها وتراعيها، وتلاحظ أحكامها بالشعر تارة، وبالخطب والأسجاع التي تلتزمها وتتكلف استمرارها، لأن المعنى أقوى عندها، وأكرم عليها، وافخم قدرا في نفوسها لان الألفاظ خدم للمعاني. فأول ذلك عنايتها بألفاظها فأنها لما كانت عنوان معانيها والطريق إلى إظهار أغراضها ومراميها أصلحوها، ورتبوها، وبالغوا في تحبيرها وتحسينها ليكون ذلك أوقع في السمع، واذهب في الدلالة على القصد. مما تقدم يتبين لنا أن وعي العلماء العرب كان مشدودا إلى أشكال التفاعل والتألف من دون أن يغيب عن بالهم الاهتمام بمختلف المعاني، وقد ترجم ذلك عبد القاهر الجرجاني في نظرية النظم التي تمثل محاولة عميقة انطلقت من وعي دقيق باللغة، ويكشف عن أشكال اللفظ والمعنى، والبنية العامة المعتمدة في تلك الظاهرة على قاعدة تفاعل معاني النحو مع معاني الكلم. من هنا يمكن الإقرار بأن أشكال العلائق التي تنتظم المعنى والمبنى كانت موضع اهتمام العلماء العرب، لأنها تقوم بالتأكيد على ضرورة تحقيق التطابق بينهما إلى مستوى أعمق تبلغ فيه الصلة بين الطرفين، إلى مرحلة التفاعل الذي يكاد يحيلهما إلى كل واحد، ولاسيما حين تمتد المعاينة لتعانق عبارة كاملة أو نصا بالاستناد إلى مفاتيح متطورة مثل معاني النحو. أن إشكالية المعنى والمبنى تبدأ من البنية بوصفها الأرضية التي يقوم عليها النص اللغوي أو الأدبي، لكونه الحامل المركزي للمعنى، وهنا يتوقف خطر المعنى على الطريقة التي يتشكل فيها النص بواسطة البنية لتنفتح على فضاء أوسع وأرحب. أما التعدد الدلالي فيعد من إشكاليات المعنى على مستوى المعنى غير الملموس أو غير الظاهر، إذ لا يظهر المعنى مباشرة بل لابد من دلائل وقرائن تحدد هوية المعنى المقصود، فالمعنى كامن في القول في حد ذاته، وفي القول المضمن فيه، ومن ثم لا يخرج المعنى في أي قول عن معناه الأصلي في أصل الوضع، وكذلك لا يخرج عن المعنى الثاني الذي يكشفه المقام والعلاقة بين المتكلم والمخاطب، وارتباط الدال بالمدلول. كذلك تواجه الباحث في المعنى والمبنى إشكاليات متنوعة منها في مستويات إدراكه، أو في طريقة الوصول إليه، وفي آليات إنتاجه، فضلا عن تداخل مفهوم المعنى مع مفهوم الحقيقة من جهة وتداخله مع مفهوم الفهم من جهة ثانية في الدراسات التأويلية والفلسفية. وكذلك تبرز إشكالية تقسيم مستويات التحليل اللغوي هذا التقسيم الذي اعتاد الدارسون المحدثون أن يقسموا اللغة على أربعة مستويات هي: (الصوتية والصرفية والنحوية والدلالية) وافتراض حدود بين هذه المستويات، مع إن طبيعة اللغة تأبى هذا الفصل الذي ينبئ عن استقلال لكل واحد منها، وكذلك من إشكاليات المعنى والمبنى ما أثارته الاتجاهات الحديثة التي تصر على الاقتصار على الجانب الشكلي المنطوق، وتستبعد المعنى من الدراسة اللغوية وهذا الاتجاه الذي يمثله بلومفيد يستبعد المعنى الأصلي لاهتمامه بدراسة القوانين العامة التي تحكم السلوك اللغوي وتكشف عن القوانين التي تحكم النفس البشرية، ومن ثم كان بلومفيد مقتنعا بأن إقحام المعنى في التحليل اللغوي قد يعوق الوصول إلى هذه القوانين، ولذلك رأى أنه لكي نعرف المعنى معرفة علمية دقيقة لابد أن تكون على علم دقيق بكل شيء في عالم المتكلم، ولابد أن يحلل المعنى تحليلا ماديا طبيعيا والمعرفة الإنسانية لم تصل بعد إلى هذه الدرجة. |
---|