المستخلص: |
مما لا شك فيه أن الأنظمة القانونية تعد انعكاساً للواقع بحيث تشبع احتياجات الأفراد في المجتمع. وغني عن البيان أن الثورة المعلوماتية الحديثة قد أحدثت تغييراً جوهرياً في العديد من المفاهيم القانونية التقليدية، حيث أوجدت صور وأنواع جديدة من النشاط الإنساني. ونتج عن هذا التطور الهائل تأثيرات مباشرة على تطور الأنظمة القانونية في مختلف دول العالم لتواكب التقدم التكنولوجي في وسائل الاتصالات والمعلومات، حيث كشفت الثورة التكنولوجية والرقمية، أن القواعد القانونية التقليدية لم تعد مناسبة في كثير من المجالات. ويعتبر نظام العمل من أهم المجالات التي شهدت تأثيرات عميقة، حيث ظهر ما يسمى "العمل عن بعد" وما ترتب عليه من إبرام وتنفيذ عقد العمل عبر وسائل التكنولوجيا الحديثة. ولا جدال أن هذه الصورة الجديدة، في إبرام وتنفيذ عقد العمل، تحتاج إلى تطويع وتطوير القواعد القانونية التقليدية لتلائم معطيات العصر الحديث، وحتى تستطيع تلبية مقتضيات الواقع الجديد من تنظيم العلاقات العمالية. ويتعين أن يتلاءم النظام القانوني مع فلسفة التشريعات العمالية التي تكفل تحقيق المصالح المتبادلة بين العامل وصاحب العمل وتعمل على توفير الحماية الكافية للعمال وتصون حقوقهم باعتبارهم الطرف الضعيف في العقد، خاصة في ظل ظهور مخاطر جديدة قد تلحق بالعامل عن بعد وبالذات المخاطر التي تهدد الخصوصية في ضوء انتشار آليات الرقابة والإشراف الحديثة وصعوبة تمييز وقت العمل ومكان العمل نظراً للتداخل بين الحياة المهنية والحياة الشخصية للعامل. وقد أهتم المنظم السعودي بمسايرة ركب التطور القانوني في هذا المجال، حيث أصدر وزير العمل القرار رقم (120453) وتاريخ 28/ 12/ 1438 هـ لتحسين أداء سوق العمل وتحديد اشتراطات تنظيم عقد العمل عن بعد بما تقتضيه المصلحة العامة. يهدف البحث إلى وضع إطار عام ومفهوم واضح للنظام القانوني لعقد العمل عن بعد في المملكة العربية السعودية، من خلال المقارنة مع الأنظمة القانونية الحديثة والاتفاقيات الدولية، بحيث يلبي هذا النظام القانوني التوازن المأمول بين حماية حقوق العمال وبين حق صاحب العمل في السلطة التنظيمية والإشراف والرقابة على العمال. وتسعى هذه الدراسة الموجزة إلى البحث عن معيار مناسب لتمييز العمل عن بعد وتكييفه من خلال تحديد الطبيعة القانونية لهذا لعقد العمل عن بعد في المملكة العربية السعودية.
|