المستخلص: |
لا يزال في تاريخ علم اللغة عند العرب كثير من القضايا التي تتطلب إعادة النظر فيها وإن أضحت في ذهن الكثير من المسلمات التي لا تسترعي الانتباه, ومنها قضية التشكيك في نسبة معجم العين للخليل لوجود أقوال وروايات لبعض المتأخرين, وقد ظلت تلك الأقوال محل تزيد وتنازع ومدار نقاش بين الباحثين منطقة من تصور إمكانية الوقوع واستحالته, ولم تتجاوز ذلك إلي دراسة طبيعة تلك الروايات والأقوال, ومدى صلتها بمادة الكتاب, كما أنها لم تعرض على المعجمات اللغوية ولم يستأنس فيها بما كتب في تاريخ علم اللغة, فظلت في إطار الكلام المتداول الذي يردد, وهو أحوج ما يكون إلى تمحيص وإعادة نظر, من أجل هذا وغيره جاءت هذه الدراسة محاولة وضع تلك الروايات والأقوال في موضعها من حيث العدد والطبيعة, ومن حيث الصلة بمادة الكتاب الأصيلة, ومن حيث الدلالة على صحة النسبة وعدمها, على أن هذه الدراسة توقفت عند حدود ما يمكن أن يستشف من تلك الأقوال والنقول. من حيث موقعها في تأسيس مادة الكتاب أو الاستدراك عليه, وعند حدود موقعها في الكتاب, ومن أصحابها, ومن أي طبقات اللغويين هم, ولم تعن الدراسة بموقع تلك الأقوال من حيث الصحة والخطأ, ولا من حيث التصريف والدلالة. الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين, أما بعد فإنه إذا كان نعت كثير من العلوم الإسلامية بالنضوج والاكتمال أمرا لا تنازع في تقرره, ولا تجاذب لأطرافه. فإن تواريخ العلوم ولا سيما علم اللغة لا يزال فيه مضطرب عريض. وميدان واسع. وفسحة للقول لا تأتي عليها الريح العصوف, ولا محاولات بعض الباحثين الفردية. مهما كان جدهم وتشميرهم, لأن ميدانا استمر ركض العلماء فيه طيلة خمسة عشر قرناً منذ أيام ابن عباس رضي الله عنهم إلى يومنا هذا. حري أن لا تدرك العين أطرافه. وحري أن يوجد فيه من المسارات والمجاهل ما هو بحاجة إلى منارات وصوى, وهو مظنة لأن يكون فيه من المسلمات ما هو جدير بإعادة النظر وإثارة التساؤلات؛ لأن ما بذل في ميدان تاريخ علم اللغة لا يزال قليلا, وما شيد من مبانيه لا يزال في تصوري قصيرا, والكلام فيه متشعب, بل متعارض متناقض. فهذا فرد الدنيا وأهل الفضل والتقدم, والمسلم له بالتبريز, والمجمع على فضله, ومن دعم علم اللغة بدعامة لا يزعزعها الزمان. الخيل بن أحمد الفراهيدي, لما ألف العين وتناوله الناس بالاستفادة منه. والنقل عنه, ثارت عجاجة التشكيك فيه, والتنازع حوله. فمتحمس له ومشمر عليه, ومصوب ومخطئ مهجن. يدعو إلى الإعراض عنه, ويظهر التحامل عليه, ويسر الاتضاع منه والاستفادة من مادته, ولا تزال رحى النزاع حوله راكدة. والاختلاف في شأنه قائما إلى يومنا هذا, وما أصدق قول الدكتور صلاح الدين الفرطوسي: والدراسات التي اهتمت بكتاب العين كثيرة. وأغلبها يدور حول أمر نسبته للخليل أو لغيره. ومن النادر أن يعثر الباحث على دراسة جادة تهتم بمادة الكتاب اهتماما خاصا( ). وفي أثناء قراءتي لكتاب العين, واطلاعي علي ما كتب عنه, استرعت انتباهي واستوقفتني أشياء كثيرة منها: 1- أن انقسام العلماء والباحثين إلى يومنا هذا في شأن هذا الكتاب العظيم مغر بالبحث؛ لان الانقسام لا يزال مستمرا, والتجاذب لا يزال علي أشده, مغر بالبحث وإعادة النظر؛ لأن الأوهام والأقوال وسوء القراءة والتعجل لا تزال تعمل عملها في تشكيل صورة ذلك الكتاب في الثقافة العربية. 2- يلفت النظر ويسترعي الانتباه أن كثيرا من الباحثين لا يزالون يناقشون ما ورد في العين من أقوال ونصوص مأثورة من باب تصور الوقوع. أو استحالته. لا من منطلق مادة الكتاب ومنهجه. وما نقل عنه. 3- أن كثيرا ممن كتبوا عن الخليل وتعرضوا لكتابه كلما اعترض طريقهم أو خطر ببالهم ما يتصورون استحالة صدوره عن الخليل. فإنهم يسارعون بالتخلص من تلك الاستحالة بنسبة الكتاب إلى الليث. مع أن نسبة ما يريدونه إلى الليث لا يمكن أن تحظي بالقبول, وذلك مثل قضية النقل عن المتأخرين. لأن الليث من حيث الزمن قريب من طبقة الخليل رحمهما الله. 4- أن مواصلة الحديث بعيدا عن كتاب العين ومن غير استئناس بما تقدمة برامج الحاسوب من إحصاءات جعلت التزيد أمرا واردا في التقول على الكتاب, وكأننا نتكلم عن كتاب متصور لا عن كتاب مقروء. فقد قرر الكثيرون أن في الكتاب نقولا وآراء لعدد من العلماء. بدأت أعدادهم وأعداد آرائهم تزيد كلما ازداد تعاور الباحثين الحديث عن المروى عنهم من اللغويين في العين. 5- أن قضية الرواية عن معاصري الخليل من طلابه. وعمن تأخر ربطت عند بعض الباحثين بآخر الكتاب لا بأوله. مما جعلهم يقررون أن أوله للخليل, وأن آخره من عمل الليث. مما يوجب البحث والدراسة والنظر في موضع هذه النقول, وفي طبيعتها ومدى صلتها بمادة الكتاب. 6- أن دراسة تلك الآراء والنقول ستكشف وتجيب عن أسئلة جد مهمة وستحدد عدد تلك النقول. وطبيعتها وستفصح عن المنقول عنهم, وتحاول تحديد زمنهم ومدى قربهم عن الخليل, وستكشف مدى ترابط المادة المنقولة بمادة المعجم الأصيلة, وسترسم صورة لمدى دقة من تحدثوا عن المعجم العربي وأرخواله لقد استوقفتني هذه الأمور وغيرها واسترعت انتباهي فأحببت أن أقف على أمر من أهم الأمور التي جعلت الكثيرين يشككون في نسبة الكتاب للخليل, ذلك الأمور هو قضية وجود آراء للغويين من طلاب الخليل وممن ليسوا في طبقته, مما يجعل نسبة الكتاب للخليل أمرا مستحيلا وغير مقبول في نظر كثيرين ممن أرخوا للمعجم العربي فكانت هذه الدراسة رغبة في الإجابة عن تلك التساؤلات. على أن هذه الدراسة توقفت عند حدود ما يمكن أن يستشف من تلك الأقوال والنقول من حيث موقعها في تأسيس مادة الكتاب أو الاستدراك عليه. وعند حدود موقعها في الكتاب, ومن أصحابها, ومن أي طبقات اللغويين هم. ولم تعن الدراسة بموقع تلك الأقوال من حيث الصحة الخطأ ولا من حيث التصريف والدلالة. الله أسأل أن يوفقنا للصواب ويعصمنا من خطل القول ومينه والحمد لله رب العالمين...
|